وسكناته ؛ لأنّ حبّ الشيء يوجب حبّ آثاره ، وهو من آياته وآثاره تعالى ، فلا يزال يشتدّ حبّا حتّى لا يحبّ إلّا وجهه ، ولا يريد إلّا بالله ، ولا يكره إلّا لله تعالى ، فينقطع ذكره واشتغاله إلّا بوجهه ، وحديثه إلّا بحديث فيه ذكر ربّه ، وحينئذ يتحقّق عنده من العلم بالله وصفاته وأفعاله ما لا يتحقّق عند سائر الناس ؛ لأنّ اشتغالهم بغيره سبحانه ، وهمّهم كلّ شيء إلّا ربّهم ، فتنمحي عن نفسه صور العلوم والقصود التي عند غيره من عامّة الناس ـ من طلب الفضائل مثلا ، والخوف والرجاء لغيره تعالى ولو كان كمالا ـ ويحلّ محلّه العلم بالله وآياته.
وحينئذ تتبدّل الغاية الاولى ـ وهي طلب الفضيلة النفسانيّة ـ إلى غاية اخرى ؛ وهي ابتغاء وجه الله سبحانه ، أو وجه الله بوجه أدقّ ، ولا شغل له بنفسه ولا بغيره وتتبدّل الامّهات الخلقيّة بامّ واحدة ؛ وهي ما عند الله ممّا يحبّه ، ويسقط ترتّب اصولها وفروعها ، ويسقط موضوع الفضائل والرذائل ، كما مرّ ؛ وربّما تبدّل الاعتدال الخلقى في هذا المسلك عنه بحسب المسلكين الآخرين ، فيصير ما هو تهوّر أو تبذير ، فيهما شجاعة أو سخاءا هاهنا.
وقد اشتملت الآثار على قصص كثيرة من ذلك ، كما في الكافي عن الصادق ـ عليهالسلام ـ في إسماعيل النبيّ ـ عليهالسلام ـ : «إنّما سمّي صادق الوعد لأنّه وعد رجلا في مكان ، فانتظره في ذلك المكان سنة ، فسمّاه الله ـ عزوجل ـ صادق الوعد ، ثمّ إنّ الرجل أتاه بعد ذلك ، فقال له إسماعيل : ما زلت منتظرا لك ...» (١) الحديث.
وهذا أمر ربّما يحكم العقل العادي بكونه منحرفا عن الاعتدال ، فليت شعري
__________________
(١). الكافي ٢ : ١٠٥ ، الحديث : ٧.