(وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى). (١)
فهذه جمل ما منّ الله تعالى به على ملائكته من إكرامهم بطهارة الذات والعصمة ، وكونهم عمّالة بأمره ، والشفاعة. وبالجملة : فهم وسائط الرحمة ، طاهرة في نفسها وطاهرة في وساطتها ، صالحة في عملها.
ومن الضروري أنّ شيئا لا يرضى إلّا بما يعادل صلاحيّة ذاته ـ حسب ما عنده من الكمال ـ أو بأزيد منها ، ولا يرضى بما دون ذلك ، والأمر في هذه الخصال الثلاث كذلك.
توضيحه : أنّك لو تأمّلت في قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) وجدت أنّ الصلاة فيه غير الرحمة ، ويشهد به جمع الصلاة وإفراد الرحمة ، وقد قال سبحانه : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (٢) وقال تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) (٣) وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) (٤) وقال تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) (٥) وقال تعالى : (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ). (٦)
والتأمّل في هذه الآيات وأمثالها يعطي أنّ الصلاة وإن كانت غير الرحمة
__________________
(١). الأنبياء (٢١) : ٢٨.
(٢). الأحزاب (٣٣) : ٤٣.
(٣). البقرة (٢) : ٢٥٧.
(٤). الحديد (٥٧) : ٢٨.
(٥). الأنعام (٦) : ١٢٢.
(٦). ابراهيم (١٤) : ١.