وربّما استفيد تخيير المريض والمسافر ـ بين الصوم والقضاء بالإفطار ـ من قوله سبحانه : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) عقيب قوله : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً).
وقد عرفت أنّ الكلام عود إلى بدو الخطاب ، وأنّ الآيتين ليستا في مقام شرح الحكم. على أنّ لازم ذلك أفضليّة الصوم ، ويأبى عن ذلك سياق قوله تعالى بعده : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (١) من غير تعرّض به ، وهو ظاهر عند العارف بأساليب الكلام.
وفي الفقيه عن حفص قال : «سمعت أبا عبد الله ـ عليهالسلام ـ يقول : إنّ شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الامم قبلنا ، فقلت له : فقول الله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)؟ قال : إنّما فرض الله ـ عزوجل ـ صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الامم ، ففضّل الله به هذه الامّة وجعل صيامه فرضا على رسول الله وعلى امّته». (٢)
أقول : وما يقال : إنّ الرواية مخالفة للكتاب ؛ إذ ظاهر قوله : (عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) بظاهره يأبى أن يكون المراد به الأنبياء فقط.
ربّما يجاب عنه : بأنّ الآية تدلّ على اشتراك الذين من قبلنا معنا في أصل الصيام ، ولم يصرّح بشهر رمضان بالخصوص ، فمن الجائز أن يكون الصيام ـ المكتوب على من قبلنا من سائر الامم ـ صياما في غير شهر رمضان ، وإن كان المكتوب على الأنبياء صيام شهر رمضان.
وفي تفسير القمّي قال : قال ـ عليهالسلام ـ : «أوّل ما فرض الله الصوم لم
__________________
(١). البقرة (٢) : ١٨٥.
(٢). من لا يحضره الفقيه ٢ : ٩٩ ، الحديث : ١٨٤٤.