فحقّ عبادته سبحانه ـ وهي إظهار العبوديّة وحكاية ما عليه العبد من مولاه ـ أن يكون عن حضور مطلق بإمحاء كلّ ما يوجب بحضوره غيبة المعبود والانصراف عنه إلى غيره وترك الاشتغال بما هو مربوب مملوك له وهو الشرك ، قال سبحانه : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ)، (١) فالاشتغال بغيره سبحانه ـ إمّا بعبادة ذلك الغير ، أو في ضمن العبادة له سبحانه ـ إعطاء ربوبيّة لغير الله سبحانه ، وإنّما الفرق أنّ العبادة لغيره سبحانه ترك له وأخذ لغيره والاشتغال بغيره أو طلبه من العبادة ، كطلب الوصول إلى ثواب أو النجاة من عذاب توسيط له سبحانه بينه وبين المطلوب والواسطة غير مقصودة بالذات إلّا من أجل ذي الواسطة ، فهو المقصود المعبود بالحقيقة والمآل ، كما يشير إليه في رواية تحف العقول السابقة : «ومن زعم أنّه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغّر بالكبير» (٢) الحديث ، فالعابد له لأنّه ينعم بالجنّة أو ينجي من النار يصغّر الكبير ، قال سبحانه : (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ)، (٣) وقال : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ)، (٤) وقال : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ). (٥)
وفي الكافي : عن الصادق ـ عليهالسلام ـ قال : «العبادة ثلاثة : قوم عبدوا الله خوفا ، فتلك عبادة العبيد ، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب ، فتلك عبادة الاجراء ، وقوم عبدوا الله عزوجل حبّا له ، فتلك عبادة الأحرار ، وهي
__________________
(١). الأنعام (٦) : ١٦٤.
(٢). تحف العقول : ٣٢٦ ؛ نقلت رواية قبل أسطر.
(٣). الزمر (٣٩) : ٢.
(٤). الزمر (٣٩) : ٣.
(٥). الزمر (٣٩) : ٣.