لاحق ، وبين الهدايتين يقع صدق الاعتقاد وصلاح العمل.
والدليل على أنّ هذه الهداية من الله ـ سبحانه ـ فرع الاهتداء الذاتي الأوّل : آيات كثيرة ؛ كقوله سبحانه : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)، (١) وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) ، (٢) وقوله : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) ، (٣) وقوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، (٤) وقوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٥) ... إلى غير ذلك.
والأمر في ضلال الكافرين والمنافقين كما في المؤمنين ، فعندهم ضلالان : أحدهما من عند أنفسهم ، والثاني من عند الله ـ سبحانه ـ ؛ خذلانا لهم وعقوبة لكفرهم ونفاقهم ؛ ففي هذه الآيات إشارة إلى حياة اخرى للإنسان مستبطنة كامنة تحت هذه الحياة الدنيويّة ، وهي الحياة التي بها يعيش الإنسان في هذه الدار وبعد الموت وحين البعث ، وسيأتي تتمّة الكلام فيه ـ إن شاء الله ـ
قوله سبحانه : (يُؤْمِنُونَ)
الإيمان تمكّن الاعتقاد في القلب ؛ مأخوذ من الأمن ، كأنّ المؤمن يعطي لما آمن به الأمن من الريب والشكّ ، وهو آفة الاعتقاد.
والإيمان ـ كما مرّ ـ معنى ذو مراتب ؛ إذ الإذعان ربّما يتعلّق بالشيء نفسه
__________________
(١). إبراهيم (١٤) : ٢٧.
(٢). الحديد (٥٧) : ٢٨.
(٣). محمّد (٤٧) : ٧.
(٤). البقرة (٢) : ٢٥٨.
(٥). المائدة (٥) : ١٠٨.