عشرة ـ التي يبيّن فيها حال المؤمنين والكافرين والمنافقين ـ خمس صفات ؛ وهي : الإيمان بالغيب ، وإقامة الصلاة ، والإنفاق ممّا رزقهم الله ، والإيمان بما أنزل الله على أنبيائه ، والإيقان بالآخرة.
وحيث عقّب سبحانه هذه الأوصاف بقوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وقابلها أيضا بما وصف به الكافرين والمنافقين ـ من الضلال والعمى الذاتي الذي لهم من أنفسهم ، والضلال العارضي الذي يمدّ سبحانه به ضلالهم الذاتي ـ فهذه الأوصاف تنشأ في المتّقين من اهتداءين في مقابل الضلالين في غيرهم ، وهما اهتداء ذاتي أوّل ، واهتداء ثان يلحق بالأوّل ، ويتمّ به كمالهم في الإيمان ، وهما : سلامة الفطرة في الإنسان وما يلحق بها ثانيا من خلعة الاهتداء من الله ـ سبحانه ـ :
فإنّ الفطرة إذا سلمت لم تنفكّ من أن تتنبّه شاهدة لفقرها وحاجتها إلى أمر خارج ، وكذلك احتياج كلّ ما سواها ـ ممّا يقع عليه حسّ أو وهم أو عقل ـ إلى أمر خارج تقف دونه سلسلة الحوائج ، فهي شاهدة بوجود موجود غائب عن الحسّ ، منه يبدأ الجميع وإليه ينتهي ويعود ، وأنّه كما لم يهمل دقيقة من دقائق ما يحتاج إليه الخلقة ، كذلك لا يهمل هداية الناس إلى ما ينجون به من مهلكات الأعمال والأخلاق ، وهذا هو الإذعان بالتوحيد والمعاد والنبوّة ، وهي اصول الدين.
ويلزم ذلك استعمال الخضوع له سبحانه في ربوبيّته ، واستعمال ما في وسع الإنسان ـ من مال وجاه وعلم ـ لإحياء هذا الأمر ونشره ، وهذان هما الصلاة والإنفاق.
ومن هنا يعلم : أنّ الذي أخذه سبحانه من أوصافهم ، هو الذي تقضي به الفطرة إذا سلمت ، وأنّه سبحانه وعدهم بأنّه سيفيض عليهم أمرا سمّاه هداية ؛ فهذه الأعمال الزاكية منهم متوسّطة بين أمرين : إهتداء ذاتي سابق ، واهتداء ثان