لا ضياء عندها في نفسها ، وإنّما يستضاء فيها بسبب من أسباب الاستضاءة ، تدوم معه الاستضاءة مادام ، وتفتقد إذا زال ؛ فأمّا البرق فليس من شأنه الدوام والبقاء ، وأمّا النار فلمّا أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم الذي تسبّبوا له ـ بمثل ريح أو مطر وأشباههما.
فهم بين حيرتين وعماءين : حيرة الظلمة التي هم فيها ، وحيرة بطلان السبب الذي تشبّثوا به للنجاة من حيرة الظلمة الاولى الأصليّة ، فحال هؤلاء المنافقين حال الكافرين كما مرّ ، فهم واقعون بين ضلال ذاتي وضلال آخر هو وبال أعمالهم الخبيثة ، حيث يزيدهم الله مرضا على مرض قلوبهم ، ويستهزئ بهم ، ويمدّهم في طغيانهم يعمهون. وسيجيء تتمّة الكلام في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي ...) (١) الآية.
قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ـ إلى قوله : ـ (تَتَّقُونَ)
لمّا بيّن سبحانه حال الفرق الثلاث : المتّقين والكافرين والمنافقين ـ وأنّ المتّقين على هدى من ربّهم وهم المفلحون ، وأنّ الكافرين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ، وأنّ المنافقين صمّ بكم عمي ومرضى يزيدهم الله مرضا ـ وذلك في تمام تسع عشرة آية ، فرّع تعالى على ذلك أن دعاهم إلى عبادته ، وأن يلتحقوا بالمتّقين ، دون الكافرين والمنافقين ، بهذه الآيات الخمسة إلى قوله : (خالِدُونَ). (٢)
وهذا السياق يعطي كون قوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) متعلّقا بقوله : (اعْبُدُوا) دون قوله : (خَلَقَكُمْ) وإن كان المعنى صحيحا على التقديرين.
__________________
(١). البقرة (٢) : ٢٦.
(٢). البقرة (٢) : ٢٥.