وورد المسلمون ماء الغدير فشربوا منه ، واستقوا ، وتوضؤوا .. وتجمعوا لاستماع الخطبة قبل الصلاة ، ولم يتسع لهم المكان تحت دوحة الغدير ، وكانت ستَّ أشجارٍ كبيرة ، فجلس كثير منهم في الشمس ، أو استظل بظل ناقته ..
عرف الجميع أن أمراً قد حدث ، وأن النبي صلىاللهعليهوآله سيخطب .. فقد نزل عليه وحيٌ أو حدث أمرٌ مهمٌ أوجب أن يوقفهم في هذا الهجير ، ولا يصبر عليهم حتى يصلوا الى مدينة الجحفة العامرة ، التي تبعد عنهم ميلين فقط !
كان مجموع المشاركين في حجة الوداع من مئة ألف الى مئة وعشرين ألفاً كما ذكرت الروايات ، ولكن هذا العدد كان في عرفات ومنى .. أما بعد تمام الحج فقد توزعوا ، فمنهم من أهل مكة وقد رجعوا اليها ، ومنهم بلادهم عن طريق الطائف فسلكوا طريقها ، وآخرون بلادهم عن طريق جدة وما اليها ..
والذين هم مع الرسول صلىاللهعليهوآله عن طريق الجحفة والمدينة ألوفٌ كثيرةٌ أيضاً .. نحو عشرة آلاف .. فقد قال الإمام الصادق عليهالسلام مؤرخاً تضييع قريش لحادثة الغدير :
العجب مما لقي علي بن أبي طالب ! إنه كان له عشرةُ آلافِ شاهدٍ ولم يقدر على أخذ حقه ، والرجل يأخذ حقه بشاهدين !! الوسائل : ١٨ / ١٧٤ .
* *
لم يدم طويلاً تطلع المسلمين الى ما سيفعله النبي صلىاللهعليهوآله وما سيقوله .. فقد رأوه صعد على منبر الأحجار والأحداج ، وبدأ باسم الله تعالى ، وأخذ يرتل قصيدةً نبويةً في حمد الله تعالى ، والثناء عليه .. ويشهد الله والناس على عبوديته المطلقة لربه .
ثم قدم لهم عذره ، لأنه اضطر أن ينزلهم في مكان قليل الماء والشجر ، وما أمهلهم حتى يصلوا الى بلدة الجحفة المناسبة لنزول مثل هذا القافلة الكبيرة ، المتوفر فيها ما يحتاج اليه المسافر .. ولا انتظر بهم وقت الصلاة ، بل ناداهم قبل وقتها ، وكلفهم الإستماع اليه في حر الظهيرة ..