وقال عبد القاهر الجرجاني ( المتوفّى عام ٤٧١ ه ) : اعلم أنّ مما اتّفق العقلاء عليه انّ التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني ، أو أُبرزت هي باختصار في معرضه ، ونُقلت عن صورها الأصلية إلىٰ صورته كساها أُبّهة ، وكسبها منقبة ، ورفع من أقدارها ، وشبّ من نارها ، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها ، ودعا القلوب إليها ، واستثار من أقاصي الأفئدة صبابة وكلفاً ، وقسر الطّباع على أن تُعطيها محبة وشغفاً.
فإن كان ذمّاً : كان مسه أوجع ، وميسمه ألذع ، ووقعه أشدّ ، وحدّه أحد.
وإن كان حجاجاً : كان برهانه أنور ، وسلطانه أقهر ، وبيانه أبهر.
وإن كان افتخاراً : كان شأوه أمدّ ، وشرفه أجد (١) ، ولسانه ألد.
وإن كان اعتذاراً : كان إلى القبول أقرب ، وللقلوب أخلب ، وللسخائم أسلّ ، ولغَرْب الغضب أفلّ ، وفي عُقد العقود أنفث ، وحسن الرجوع أبعث.
وإن كان وعظاً : كان أشفىٰ للصدر ، وأدعىٰ إلى الفكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر ، وأجدر أن يجلى الغياية (٢) ويُبصّر الغاية ، ويبرئ العليل ، ويشفي الغليل (٣).
٤. وقال أبو السعود ( المتوفّى عام ٩٨٢ ه ) : إنّ التمثيل ليس إلاّ إبراز المعنى المقصود في معرض الأمر المشهور ، وتحلية المعقول بحلية المحسوس ، وتصوير أوابد المعاني بهيئة المأنوس ، لاستمالة الوهم واستنزاله عن معارضته للعقل ، واستعصائه عليه في إدراك الحقائق الخفيّة ، وفهم الدّقائق الأبيّة ؛ كي يتابعه فيما يقتضيه ،
__________________
(١) من الجد : الحظ ، يقال : هو أجدّ منك ، أي أحظ.
(٢) الغياية : كل ما أظلك من فوق رأسك.
(٣) أسرار البلاغة : ١٠١ ـ ١٠٢.