الكنعانيين أُوتي علم بعض كتاب الله ، ولكنّه كفر به ونبذه وراء ظهره ، فلحقه الشيطان وصار قريناً له وكان من الغاوين الضالين الكافرين.
والإمعان في الآية يعرب عن بلوغ الرجل مقاماً شامخاً في العلم والدراية ، وعلى الرغم من ذلك فقد سقط في الهاوية ، وإليك ما يدل على ذلك في الآية :
أ : لفظ ( نَبَأَ ) حاك عن أنّه كان خبراً عظيماً لا خبراً حقيراً.
ب : قوله : ( الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ) حاك عن إحاطته بالحجج والبيّنات وعلم الكتب السماوية.
ج : قوله : ( فَانسَلَخَ مِنْهَا ) يدل على أنّ الآيات والعلوم الإلهية كانت تحيط به إحاطة الجلد بالبدن إلاّ انّه خرج منها.
ويؤيد ذلك انّه سبحانه يعبر عن التقوىٰ باللباس ، ويقول : ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ) (١).
د : قوله : ( فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ ) يدل على أنّ الشيطان كان آيساً من كفره وقد انقطعت صلته به ، لكنّه لما انسلخ من الآيات لحقه الشيطان واتبعه فأخذ يوسوس له كلّ يوم إلى أن جعله من الضالين.
إلى هنا تم تفسير الآية الاَُولى ، وأمّا الآية الثانية فهي تتضمن حقيقة قرآنية ، وهي انّه سبحانه تبارك وتعالى كان قادراً على رفعه وتنزيهه وتقريبه إليه ، ولكنّه لم يشأ ، لأنّ مشيئته سبحانه لا تتعلق بهداية من أعرض عنه وتبع هواه ، إذ كيف يمكن تعلق مشيئته بهداية من أعرض عن الله وكذب آياته ، ولذلك يقول :
( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ) أي لرفعناه بتلك الآيات « ولكن ما شئنا » وليس
__________________
(١) الأعراف : ٢٦.