كعرش الرحمن ونفس أُخرى من الضيق بمكان يقول سبحانه : ( وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ).
وفي الحديث النبوي : « الناس معادن كمعادن الذهب والفضة » (١).
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام لكميل : « إنّ هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها » (٢).
فالمعارف الإلهية كالسيل المتدفق والقلوب كالأودية المختلفة.
ويمكن أن يكون قوله ( بِقَدَرِهَا ) إشارة إلى نكتة أُخرى ، وهي انّ الماء المتدفق هو ماء الحياة الذي ينبت به الزرع والأشجار المثمرة في الأراضي الخصبة. دون الأراضي السبخة التي لا ينبت فيها إلاّ الأشواك.
٥. انّ الماء يمكث في الأرض وينفذ في أعماقها ويبقى عبر القرون حتى ينتفع به الناس من خلال استخراجه ، فهكذا الحقّ فهو ثابت لا يزول ، ودائم لا يضمحل ، على طرف النقيض من الباطل ، فللحق دولة وللباطل جولة.
٦. انّ الباطل ينجلي بأشكال مختلفة ، كما أنّ الزبد يطفو فوق الماء والمعدن المذاب بأنحاء مختلفة ، فالحقّ واحد وله وجه واحد ، أمّا الباطل فله وجوه مختلفة حسب بعده من الحقّ وتضاده معه.
٧. انّ الباطل في وجوده رهن وجود الحقّ ، فلولا الماء لما كان هناك زبد ، فالآراء والعقائد الباطلة تستمد مقوماتها من العقائد الحقّة من خلال إيجاد تحريف في أركانها وتزييفها ، فلو لم يكن للحقّ دولة لما كان للباطل جولة ، وإليه يشير سبحانه : ( فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ).
__________________
(١) بحار الأنوار : ٤ / ٤٠٥.
(٢) نهج البلاغة : قسم الحكم ، برقم ١٢٧.