التنزيل.
فكأنّ الله عزّ اسمه عدّد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم وإلزام الحجة إيّاهم (١).
ومن المتأخرين من بيّن هذا الوجه ببيان رائع ألا وهو المحقّق السيد هبة الدين الشهرستاني ( ١٣٠١ ـ ١٣٨٦ ه ) قال ما هذا نصّه :
إنّ القرآن مجموعة جمل ليست سوى صبابة أحرف عربية من جنس كلمات العرب ومن يسير اعمال البشر وقد فاقت مع ذلك عبقرية ، وكلما كان العمل البشري أيسر صدوراً وأكثر وجوداً ، قلّ النبوغ فيه وصعب افتراض الإعجاز والإعجاب منه ، فإذا الجمل القرآنية ليست سوى الحروف المتداولة بين البشر ، فهي عبارة عن « الم » و « حم عسق » فلماذا صار تأليف جملة أو جمل منه مستحيل الصدور ؟ هذا ونجد القرآن يكرر تحدي العرب وغير العرب بإتيان شيء من مقولة هذا السهل الممتنع كالطاهي يفاخر المتطاهي بأنّه يصنع الحلوىٰ اللذيذة من أشياء مبذولة لدى الجميع كالسمن واللوز ودقيق الرز ، بينما المتطاهي لا يتمكن من ذلك مع استحضاره الأدوات ، وكذلك الكيمياوي الماهر يستحضر المطلوب المستجمع لصفات الكمال ، وغيره يعجز عنه مع حضور جميع الأدوات والأجزاء ، وكذلك القرآن يقرع ويسمع قومه بأنّ أجزاء هذا المستحضر القرآني موفورة لديكم من ح و م و ل و ر و ط و ه وأنتم مع ذلك عاجزون (٢).
ويؤيد هذا الرأي أنّ أكثر السور التي صدرت بالحروف المقطعة جاء بعدها ذكر القرآن الكريم بتعابير مختلفة ، ولم يشذَّ عنها إلاّ سور أربع ، هي : مريم
__________________
(١) الكشاف : ١ / ١٧ ، ط دار المعرفة.
(٢) المعجزة الخالدة : ١١٥ ـ ١١٦.