والمكتوب ، وعلى ذلك حلف سبحانه بجنس القلم وبجنس الكتابة ، أو بجنس المكتوب ، كأنّه قيل : « أحلف بالقلم وسطرهم أو مسطوراتهم ».
ثمّ إنّ في الحلف بالقلم والكتابة والمكتوب إلماعاً إلىٰ مكانة القلم والكتابة في الإسلام ، كما أنّ في قوله سبحانه : ( عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ) إشارة إلى ذلك ، والعجب أنّ القرآن الكريم نزل وسط مجتمع ساده التخلّف والجهل والأُميّة ، وكان من يجيد القراءة والكتابة في العصر الجاهلي لا يتجاوز عدد الأصابع ، وقد سرد البلاذري في كتابه « فتوح البلدان » أسماء سبعة عشر رجلاً في مكة ، وأحد عشر من يثرب (١).
وهذا ابن خلدون يحكي في مقدمته : أنّ عهد قريش بالكتابة لم يكن بعيداً ، بل كان حديثاً وقريباً بعهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢). ومع ذلك يعود القرآن ليؤكد بالحلف بالقلم على مكانة القلم والكتابة في الحضارة الإسلامية ، وجعل في ظل هذا التعليم أمة متحضرة احتلّت مكانتها بين الحضارات. وليس هذه الآية وحيد نسجها في الدعوة إلى القلم والكتابة بل ثمة آية أُخرى هي أكبر آية في الكتاب العزيز ، يقول سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ ... ) (٣).
كما أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حثّ علىٰ كتابة حديثه الذي هو المصدر الثاني بعد القرآن الكريم :
١. أخرج أبو داود في سننه ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : كنت أكتب كلّ
__________________
(١) فتوح البلدان : ٤٥٧.
(٢) مقدمة ابن خلدون : ٤١٨.
(٣) البقرة : ٢٨٢.