قال : « اكتبوا ولا حرج » (١).
وبعد هذه الأهمية البالغة التي أولاها الكتاب العزيز والنبي للكتابة ، أفهل من المعقول أن ينسب إليه انّه منع من كتابة الحديث ؟! مع أنّها أحاديث آحاد تضاد الكتاب العزيز والسنّة والسيرة المتواترة ونجلُّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الحيلولة دون كتابة السنّة.
هذا والكلام ذو شجون وقد أسهبنا البحث حوله في كتاب « الحديث النبوي بين الرواية والدراية » (٢).
هذا كلّه حول المقسم به.
وأمّا المقسم عليه : فقد جاء في قوله سبحانه : ( مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ) والمراد من النعمة النبوّة والإيمان ، والباء للسببية أي لست أنت بسبب هذه النعمة بمجنون ، رداً علىٰ من جعل نبوّته ونزول القرآن عليه دليلاً علىٰ جنونه ، قال سبحانه : ( وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ) (٣).
ويحتمل أن يكون المراد من النعمة كلّما تفضل عليه سبحانه من النعم وراء الإيمان والنبوّة كفصاحته وبلاغته وعقله الكامل وخلقه الممتاز ، فانّ هذه الصفات تنافي حصول الجنون.
واحتمل الرازي أن يكون جملة ( بِنِعْمَةِ رَبِّكَ ) مقطوعة عمّا قبله وما بعده ، وانّ وزانها وزان بحمد الله في الجمل التالية :
__________________
(١) تقييد العلم : ٧٢ و ٧٣.
(٢) انظر صفحة ١٢ ـ ٣٢ من نفس الكتاب.
(٣) القلم : ٥١ ـ ٥٢.