أنت ـ بحمد الله ـ عاقل.
أنت ـ بحمد الله ـ لست بمجنون.
أنت ـ بنعمة الله ـ فهيم.
أنت ـ بنعمة الله ـ لست بفقير.
وعلى هذا التقدير يكون معنى الآية « ما أنت ـ في ظل نعمة ربّك ـ بمجنون » (١).
وهناك احتمال ثالث وهو نفس هذا الاحتمال ، وجعل الباء حرف القسم ، وعلى ذلك يكون الحلف مقروناً بالدليل ، وهو : انّ من أنعم الله عليه بهذه النعم الإلهية كيف يتهمونه بالجنون ، مضافاً إلى أنّ لك في الآخرة لأجراً غير ممنون ، كما قال سبحانه : ( وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ) والممنون مشتق من مادة « منّ » بمعنى القطع أي الجزاء المتواصل إلى الأبد.
ثمّ إنّه سبحانه يستدل بدليل آخر علىٰ نزاهته من هذه التهمة ، وهي قوله سبحانه : ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) فمن كان على خلق يعترف به القريب والبعيد فكيف يكون مجنوناً ؟!
فقد تجسَّم في شخصية الرسول العطف والحنان إلى القريب والبعيد ، والصبر والاستقامة في طريق الهدف ، والعفو عن المتجاوز بعد التمكن والقدرة ، والتجافي عن الدنيا وغرورها ، إلىٰ غير ذلك من محاسن الأخلاق ، وبذلك ظهر انّ الحلف صار مقروناً بالدليل.
وأمّا الصلة بين المقسم به والمقسم عليه ، فهو انّ القلم والكتابة آية العقل
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي : ٢٩ / ٧٩.