نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ) (١) وقوله سبحانه : ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ ) (٢) ، إلى غير ذلك من الآيات فلاحظ.
وأمّا المراد من قوله : « لا » فقد سبق كلام المفسرين في توجيهه ، وقد اخترنا انّ قوله : « لا » رد لكلام مسبوق أو مقدر ، ثمّ يبتدأ بقوله أقسم.
لقد أقسم سبحانه بشيء يخص البصر دون سائر الحواس ، وقال : ( فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ ) هو أقسم بما نبصر وما أقله ، وأقسم بما لا نبصر وما أكثره وأعظم خطره. أقسم الحقُّ سبحانه هذا القسم العظيم بما له علاقة بالبصر ولم يُقسم بغيره مما هو محسوس ، ذلك لأنّه رغم كونه يعطينا أوسع إحساس وأبعده وأسرعه بما يحيط بنا فانّه رغم ذلك لا يصلنا منه إلاّ أقل القليل.
هذا كلّه حول المقسم به ، وأمّا المقسم عليه ، فهو قوله : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) ، فالمقسم عليه مركب من أُمور إيجابية أعني كونه : قول رسول كريم وانّه تنزيل من ربّ العالمين ، وسلبية وهو أنّ القرآن ليس بقول شاعر ولا كاهن.
إنّما الكلام في ما هو المراد من قوله : ( رَسُولٍ كَرِيمٍ ) ، وقد ذُكر هذا أيضاً في سورة التكوير ، قال سبحانه : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ) (٣) ولا شكّ
__________________
(١) التوبة : ٧٤.
(٢) التوبة : ١٠٥.
(٣) التكوير : ١٩ ـ ٢٥.