فالإنسان هو فاعل التزكية والتدسية ومتوليهما ، والتزكية هي الإتمام والإعلاء بالتقوىٰ ، لأنّ لازم التطهير هو الإنماء كما أنّ التدسية النقص والإخفاء بالفجور.
والمقسم عليه : هو قوله : ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) ، وربّما يتصوّر أنّ جواب القسم محذوف.
قال الزمخشري : إنّ جوابه محذوف تقديره ليدمدمنّ الله علىٰ أهل مكة لتكذيبهم رسول الله كما دمدم على ثمود لأنّهم قد كذبوا صالحاً.
وأمّا قوله : ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ) فكلام تابع لقوله : ( فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ) على سبيل الاستطراد ، وليس من جواب القسم في شيء. (١)
يلاحظ عليه : أنّه لو كان جواب القسم هو ما قدّره ، يفقد الجواب الصلة اللازمة بينه وبين الأقسام الكثيرة الواردة في سورة الشمس ، ولا مانع من أن يكون قوله : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها ) جواب القسم ، بأن يكون تابعاً لقوله : ( فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ).
وعلىٰ ما ذكرنا فالصلة بين الأمرين واضحة ، وهي أنّه سبحانه يذكر نعمه الهائلة في هذه الآيات التي لو فقد البشر واحداً منها لتوقفت عجلة الحياة عن السير نحو الأمام ، فمقتضى إفاضة هذه النعم وإنارة الروح بإلهام الفجور والتقوى هو المشي علىٰ درب الطاعة ، وتزكية النفس دون الولوج في طريق الفجور وإخفاء الدسائس الشيطانية.
__________________
(١) الكشاف : ٣ / ٣٤٢.