هذه السورة إلى العطاء الدائم ، بقوله : ( فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ).
وعلى ذلك يكون المراد من أسفل سافلين هو تردّي الإنسان إلى الشقوة والخسران (١).
وأمّا وجه الصلة فلو قلنا بأنّ المراد من التين الجبل الذي عليه دمشق ، وبالزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس وهما مبعثا جمّ غفير من الأنبياء ، فالصلة واضحة ، لأنّ هذه الأراضي أراضي الوحي والنبوة فقد أوحى الله سبحانه إلىٰ أنبيائه في هذه الأمكنة ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى أحسن تقويم ، ويصدهم عن التردي إلى أسفل سافلين.
وبعبارة أُخرى : إنّ هذه الأماكن مبعث الأنبياء ومهبط الوحي ، فهؤلاء بفضل الوحي يهدون المجتمع الإنساني إلى الرقي والسعادة التي يعبر عنها القرآن بأحسن تقويم ، ويحذرونه من الانحطاط والسقوط في الهاوية التي يعبر عنها سبحانه ب ( أَسْفَلَ سَافِلِينَ ).
إنّما الكلام فيما إذا كان المراد من التين والزيتون ، الفاكهتان المعروفتان اللتين أقسم الله بهما لما فيهما من الفوائد الجمّة والخواص النافعة ، فعندئذٍ لا تخلو الصلة من غموض ، فليتدبر.
ولا يخفىٰ انّ كلّ المخلوقات ، من حيوان ونبات توحي بالجلال والاحترام لها وبالجمال وكمال الخلق ، وهي تبدو مبرمجة أو مخلوقة هكذا لا تحيد عن ذلك ، فهل رأيت طيراً لا يبني عشه أو لا يُطعمُ فراخه ؟ أم رأيت حيواناً لم يهبه الله الذكاء والمقدرة علىٰ تحصيل رزقه ، أو الدفاع عن نفسه ؟ حقاً انّ هذه المخلوقات لا تعرف الهزل ، فهي جدّيّة ولكن في وداعة ، غريبة ولكن في جمال ، وبسيطة ولكن في جلال
__________________
(١) الميزان : ٢٠ / ٣١٩ ـ ٣٢٠.