فاستشهاد صاحب المنار على كون المراد هو ظلمة القبر والبرزخ بقوله سبحانه : ( يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا ... ) (١) ليس بأمر صحيح ، والآية ناظرة إلى حياتهم الدنيوية التي يكتنفها الإيمان والنور ، ثمّ تحيط بهم الظلمة والضلالة ، ولا نظر للآية لما بعد الموت.
سؤال وإجابة
إنّ مقتضى البلاغة هو الإتيان بصيغة الجمع حفظاً للتطابق بين المشبّه والمشبّه به ، مع أنّه سبحانه أفرد المشبّه به ( كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ) وجمع المشبّه أعني قوله : ( مَثَلُهُمْ ) ( ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ ) ، فما هو الوجه ؟
أجاب عنه صاحب المنار بقوله : إنّ العرب تستعمل لفظ « الذي » في الجمع كلفظي « ما » و « من » ومنه قوله تعالى : ( وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ) (٢) وإن شاع في « الذي » الافراد ، لأنّ له جمعاً ، وقد روعي في قوله ( اسْتَوْقَدَ ) لفظه ، وفي قوله ( ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ ) معناه. والفصيح فيه مراعاة التلفظ أوّلاً ، ومراعاة المعنى آخراً ، والتفنّن في إرجاع الضمائر ضرب من استعمال البلغاء (٣).
ولنا مع هذا الكلام وقفة ، وهي أنّ ما ذكره مبني على أنّ قوله سبحانه : ( ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ ) في تتمة المثل ، وأجزاء المشبه به ، ولكنّك قد عرفت خلافه ، وانّ المثل تمّ في قوله : ( فَلَمَّا أَضَاءَتْ
__________________
(١) الحديد : ١٣.
(٢) التوبة : ٦٩.
(٣) تفسير المنار : ١ / ١٦٩.