وأمّا الفرق بين المماثلة والمشابهة هو انّ الأُولى تستعمل في المتفقين في الماهية والواقعية ، بخلاف الثانية فإنّما تستعمل غالباً في مختلفي الحقيقة ، المتفقين في خصوصية من الخصوصيات.
وبهذا يعلم انّ التجربة تجري في المتماثلين والمتفقين في الحقيقة ، كانبساط الفلز حينما تمسُّه النار ، وهذا بخلاف الاستقراء ، فإنّ مجراه الأُمور المختلفة كاستقراء انّ كل حيوان يتحرك فكه الأسفل عند المضغ ، فيتعلّق الاستقراء بمختلفي الحقيقة كالشاة والبقرة والإبل.
وقد تكرر في كلام غير واحد من أصحاب المعاجم ان المَثَل والمثْل سيان ، كالشَبَه والشبْه ، ومع ذلك كلّه نرى أنّ القرآن ينفي المثْل لله ، ويقول : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (١) وفي الوقت نفسه يُثبت له المثَل ، ويقول : ( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَللهِ المَثَلُ الأَعْلَىٰ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) (٢).
والجواب : انّه لا منافاة بين نفي المِثْل لله واثبات المَثَل له ؛ أمّا الأوّل ، فهو عبارة عن وجود فرد لواجب الوجود يشاركه في الماهية ، ويخالفه في الخصوصيات ، فهذا أمر محال ثبت امتناعه في محلِّه ، وأمّا المَثَلُ فهو نُعوت محمودة يُعرف بها الله سبحانه كأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وعلى هذا ، المَثَلْ في هذه الآية وما يشابهها بمعنى ما يوصف به الشيء ويعبَّر به عنه ، من صفات وحالات وخصوصيات.
فهذه الآية تصرّح بأنّ عدم الإيمان بالآخرة مبدأ لكثير من الصفات
__________________
(١) الشورى : ١١.
(٢) النحل : ٦٠.