الدامس ، فإذا بصيّب من السماء يتساقط عليهم بغزارة ، فيه رعود قاصفة وبروق لامعة تكاد تخطف الأبصار من شدتها وصواعق مخيفة ، فتولاّهم الرعب والفزع والهلع ممّا حدابهم إلى أن يجعلوا أصابعهم في آذانهم خشية الموت للحيلولة دون سماع ذلك الصوت المخيف ، فعندئذٍ وقفوا حيارىٰ لا يدرون أين يولّون وجوهم ، فإذا ببصيص من البرق أضاء لهم الطريق فمشوا فيه هنيئة ، فلما استتر ضوء البرق أحاطت بهم الظلمة مرة أُخرى وسكنوا عن المشي.
ونستخلص من هذا المشهد أنّ الهول والرعب والفزع والحيرة قد استولى على هؤلاء القوم لا يدرون ماذا يفعلون ، وهذه الحالة برمَّتها تصدق على المنافقين ، ويمكن تقريب ذلك ببيانين :
البيان الأوّل : التطبيق المفرق لكلّ ما جاء من المفردات في المشبه به ، كالصيّب والظلمات والرعد والبرق ، على المشبَّه ، وقد ذكر المفسرون في ذلك وجوهاً أفضلها ما ذكره الطبرسي تحت عنوان الوجه الثالث.
وقال : إنّه مثل للإسلام ، لأنّ فيه الحياة كما في الغيث الحياة ، وشبه ما فيه من الظلمات بما في إسلامهم من إبطان الكفر ، وما فيه من الرعد بما في الإسلام من فرض الجهاد وخوف القتل ، وبما يخافونه من وعيد الآخرة لشكّهم في دينهم ، وما فيه من البرق بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم ومناكحتهم وموارثتهم ، وما فيه من الصواعق كما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل. ويقوي ذلك ما روي عن الحسن عليهالسلام انّه قال : « مثل إسلام المنافق كصيّب هذا وصفه » (١).
وربّما يقرّر هذا الوجه بشكل آخر ، وهو ما أفاده المحقّق محمد جواد
__________________
(١) مجمع البيان : ١ / ٥٧.