هذا هو تفسير الآية.
وربّما يحتمل أنّ الآية ليست بصدد بيان ضرب المثل بالبعوضة كضربه بالعنكبوت والذباب ، بل الآية خارجة عن نطاق ضرب المثل بالمعنى المصطلح ، وإنّما الآية بصدد بيان قدرته وعظمته وصفاته الجمالية والجلالية ، والآية بصدد بيان أنّ الله سبحانه لا يستحيي أن يستدل على قدرته وكماله وجماله بخلق من مخلوقاته سواء أكان كبيراً وعظيماً كالسماوات والأرض ، أو صغيراً وحقيراً كالبعوضة والذباب ، فمعنى ضرب المثل هو وصفه سبحانه بصفات الجلال أو الكمال.
ويدل على ذلك أنّه سبحانه استدل على جلاله وكماله بخلق السماوات والأرض وقال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١).
يلاحظ على تلك النظرية بأمرين :
أوّلاً : لو كان المراد من ضرب المثل وصفه سبحانه بالقدرة العظيمة لكان اللازم أن يأتي بالآية بعد هاتين الآيتين مع أنّه فصل بينهما بآيات ثلاث تركّز على إعجاز القرآن والتحدّي به ، ثمّ التركيز على الجنة وثمارها كما هو معلوم لمن راجع المصحف الكريم.
وثانياً : انّ القرآن يفسر بعضه بعضاً ، فقد جاء قوله : ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ) في سورة الرعد بعد تشبيه الحق والباطل بمثل
__________________
(١) البقرة : ٢١ ـ ٢٢.