إنّ التعبير ب (نَزْلَةً أُخْرَى) معناه أنّ النبي صلىاللهعليهوآله رأى الله في شهود باطني عند معراجه في السماء. وبتعبير آخر : نزل الله مرّة اخرى على قلب النبي وتحقّق الشهود الكامل في (المنتهى إليه) القريب إلى الله عند سدرة المنتهى حيث جنّة المأوى والسدرة تغطّيها حجب من أنوار الله.
ورؤية قلب النبي في هذا الشهود لم تكن لغير الحق أبداً ، ولم ير سواه ، ولقد رأى من دلائل عظمة الله في الآفاق والأنفس أيضاً وشاهدها بعينيه.
بحثان
١ ـ ما هو الهدف من المعراج؟ الهدف من المعراج هو بلوغ النبي صلىاللهعليهوآله مرحلة الشهود الباطني من جهة ، ورؤية عظمة الله في السماوات بالبصر الظاهري من جهة اخرى والتي أشارت إليه آخر آية من الآيات محل البحث : (لَقَدْ رَأَى مِنْءَايَاتِ رَبّهِ الْكُبْرَى).
وفي الآية الاولى من سورة الإسراء : (لِنُرِيَهُ مِنْءَايَاتِنَا) والإطلاع على مسائل مهمّة ـ كثيرة ـ كأحوال الملائكة وأهل الجنة وأهل النار وأرواح الأنبياء والتي كانت مصدر إلهام للنّبي طوال عمره الشريف في تعليم وتربية الناس.
٢ ـ جانب من إيحاءات الله وكلماته لرسوله في ليلة المعراج : في كتاب ارشاد القلوب للديلمي : روي عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله سأل ربّه سبحانه ليلة المعراج فقال : يا ربّ أيّ الأعمال أفضل؟! فقال الله عزوجل : ليس شيء عندي أفضل من التوكل عليّ والرّضا بما قسمت. يا محمّد! وجبت محبّتي للمتحابّين فيّ ، ووجبت محبّتي للمتعاطفين فيّ ، ووجبت محبّتي للمتواصلين فيّ ، ووجبت محبّتي للمتوكّلين عليّ ، وليس لمحبتي علم ولا غاية ولا نهاية.
وجاء في جانب آخر : يا أحمد (١) فاحذر أن تكون مثل الصبي إذا نظر إلى الأخضر والأصفر أحبّه وإذا اعطي شيء من الحلو والحامض اغترّ به. فقال : يا ربّ ، دُلّني على عمل أتقرّب به إليك. قال : اجعل ليلك نهاراً ونهارك ليلاً. قال : ربّ وكيف ذلك؟ قال : اجعل نومك صلاة وطعامك الجوع.
كما جاء في مكان آخر منه : يا أحمد ، محبّتي محبّة للفقراء فادن الفقراء وقرّب مجلسهم
__________________
(١) إنّ إسم النبي في كل مكان من هذا الحديث ورد بلفظ أحمد إلّافي بدايته ، أجل فاسم النبي في الأرض محمّد وفي السماء أحمد.