أنّ ما رآه قلب النبي كان حقّاً وصادقاً ولا ينبغي تكذيبه أو مجادلته.
وكما بيّنا فإنّ تفسير هذه الآيات بشهود النبي الباطني لله تعالى هو أكثر صحّة وأكثر إنسجاماً وموافقة للرّوايات الإسلامية ، وأكرم فضيلة للنبي ، ومفهومها أجمل وألطف ، والله أعلم بحقائق الامور.
ونختم هذا البحث بحديث عن النبي صلىاللهعليهوآله وآخر عن علي عليهالسلام.
١ ـ في تفسير القرطبي : سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله هل رأيت ربّك؟ فقال : رأيته بفؤادي.
٢ ـ وفي خطبة الإمام علي (١٧٩) في نهج البلاغة إذ سأله ذعلب اليماني : هل رأيت ربّك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليهالسلام : أفأعبد ما لا أرى؟ ....
(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (١٦) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (١٨)
هذه الآيات هي أيضاً تتمة للأبحاث السابقة في شأن مسألة الوحي وإرتباط النبي صلىاللهعليهوآله بالله والشهود الباطني ، إذ تقول : (وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى). أي مرّة ثانية ، وكان ذلك (عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى). أي عند شجرة سدر في الجنة تدعى بسدرة المنتهى ومحلها في جنة المأوى : (عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السّدْرَةَ مَا يَغْشَى).
هذه حقائق واقعية شاهدها النبي صلىاللهعليهوآله بام عينيه و (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْءَايَاتِ رَبّهِ الْكُبْرَى).
ورغم أنّه لم يرد توضيح عن سدرة المنتهى في القرآن الكريم ، إلّاأنّ الأخبار والروايات الإسلامية ذكرت لها أوصافاً كثيرة. وهذه التعابير تشير إلى أنّ المراد من هذه الشجرة ليس كما نألفه من الأشجار المورقة والباسقة على الأرض أبداً ، بل إشارة إلى ظلّ عظيم في جوار رحمة الله وهناك محل تسبيح الملائكة ومأوى الامم الصالحة.
أمّا (جَنَّةُ الْمَأْوَى) فمعناها الجنة التي يُسكن فيها ؛ والمراد من هذه الجنة هو جنة البرزخ التي تحلّ فيها أرواح الشهداء والمؤمنين بصورة مؤقتة.
والآية : (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) إشارة إلى أنّ بصر النبي ، وأنّ عينيه الكريمتين لم تميلا يمنة ولا يسرة ، وما رآه النبي بعينيه هو عين الواقع ؛ لأنّ زاغ : من مادة زيغ معناه الانحراف يميناً أو شمالاً ؛ وطغى : من الطغيان ، معناه التجاوز عن الحد.