يطلب رضاي في ليله ونهاره. وأمّا الحياة الباقية فهي التي يعمل لنفسه حتى تهون عليه الدنيا وتصغر في عينه وتعظم الآخرة عنده ويؤثر هواي على هواه ويبتغي مرضاتي ويعظّم حق عظمتي ويذكر علمي به ويراقبني بالليل والنهار عند كل سيّئة أو معصية وينقّي قلبه عن كل ما أكره ، ويبغض الشيطان ووساوسه ولا يجعل لإبليس على قلبه سلطاناً وسبيلاً فإذا فعل ذلك أسكنت قلبه حبّاً حتى أجعل قلبه لي وفراغه وإشتغاله وهمّه وحديثه من النعمة التي أنعمت بها على أهل محبّتي من خلقي وافتح عين قلبه وسمعه حتى يسمع بقلبه وينظر بقلبه إلى جلالي وعظمتي.
وأخيراً فإنّ هذا الحديث القدسي الكريم يختتم بهذه العبارات المؤثّرة : يا أحمد ، لو صلّى العبد صلاة أهل السماء والأرض ويصوم صيام أهل السماء والأرض ويطوي من الطعام مثل الملائكة ، ولبس لباس العاري ثم أرى في قلبه من حبّ الدنيا ذرّة أو سعتها أو رئاستها أو حليّها أو زينتها لا يجاورني في داري ولأنزعنّ من قلبه محبّتي وعليك سلامي ورحمتي والحمد لله ربّ العالمين (١).
هذه الأحاديث القدسية من ربّ العرش التي تحمل روح الإنسان إلى أوج السماوات معها وتعرج به إلى حالة الشهود هي قسم من الحديث القدسي المشار إليه آنفاً.
ونضيف إلى ذلك أنّنا على يقين أنّه كان بين النبي ومحبوبه في تلك الليلة الكريمة أسرار وإشارات وكلمات اخرى لا تستطيع الآذان الإصغاء إليها ولا الأفكار الساذجة إستيعابها ؛ ولذلك بقيت في نفس النبي صلىاللهعليهوآله طيّ الكتمان فلم يَبُح بها لأحد إلّالخلصائه المختصين به.
(أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) (٢٣)
هذه الأصنام وليدة أهوائكم : بعد بيان الأبحاث المتعلّقة بالتوحيد والوحي والمعراج وآيات عظمة الواحد الأحد في السماء ، يتناول القرآن أفكار المشركين ، فينقضها ويتحدث عن معتقداتهم الخرافية ... فيقول : بعد أن أدركتم عظمة الله وآياته في خلقه فهل أنّ أصنامكم
__________________
(١) بحار الأنوار ٧٤ / ٢١.