في أعقاب تلك الآيات التي بحثت مسألة الخلقة والهدف من الخلق ، جاءت هذه الآيات لتكمّل البحث الذي يطرح قضية المعاد والقيامة ، حيث يقول تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا).
فإنّ القرآن الكريم يأمر الرسول الأكرم في أعقاب هذا الكلام بقوله : (قُلْ بَلَى وَرَبّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ). لأنّهم في البداية كانوا عدماً وخلقهم الله ، فإعادتهم إلى الوجود مرّة اخرى أيسر ..
ولابدّ أن تكون النتيجة كما قرّرتها الآية اللاحقة وأنّه بعد أن ثبت أنّ المعاد حق : (فَامِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
وبناءً على ذلك يأمرهم الباريء أن يعدوا أنفسهم بالإيمان والعمل الصالح ، ويستعدّوا للبعث ويوم الجزاء.
والإيمان هنا لابدّ أن يرتكز على ثلاثة اصول : (الله) و (الرسول) و (القرآن) التي تتضمن الامور الاخرى جميعاً.
وتصف الآية اللاحقة يوم القيامة بقولها : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ).
فإنّ أحد أسماء يوم القيامة هو يوم الجمع الذي ورد كراراً بتعبيرات مختلفة في القرآن الكريم ، منها ما جاء في الآية (٤٩ و ٥٠) من سورة الواقعة : (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْأَخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ).
ثم يضيف تعالى : (ذلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ). أي اليوم الذي يعرف فيه الغابن بالفوز عن المغبون بالغلبة ، وهو اليوم الذي ينكشف فيه من هم الناس الذين غبنوا وخسرت تجارتهم.
ثم يتحدث القرآن الكريم عن أحوال المؤمنين في ذلك اليوم (يوم القيامة) أو (يوم التغابن) قائلاً : (وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
وستتنزّل النعم الإلهية والبركات بتحقق الشرطين الأساسيين ، الإيمان والعمل الصالح.
ثم يقول تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِايَاتِنَا أُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
وهناك عاملان أساسيان للشقاء يذكرهما القرآن ، هما الكفر والتكذيب بالآيات الإلهية ، وهما النقيضان الواقعيان للإيمان والعمل الصالح.