(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١٣)
كل ما يصيبنا بإذنه وعلمه : في أوّل آية مورد البحث يشير القرآن إلى أصل كلّي عن المصائب والحوادث الأليمة التي تصيب الإنسان ، ولعلّ ذلك يعود إلى أنّ الكفار كانوا دائماً يتذرّعون بوجود المصائب والبلايا لنفي العدالة الإلهية في هذا العالم ، أو يكون المراد أنّ طريق الإيمان والعمل الصالح مقرون دائماً بالمشاكل ، ولا يصل الإنسان المؤمن إلى مرتبة مقاومتها ، وبذلك يتّضح وجه الإرتباط بين هذه الآية وما قبلها.
يقول تعالى أوّلاً : (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
فما يجري من حوادث كلّها بإذن الله لا تخرج عن إرادته أبداً.
وعندما نقول يقع ذلك بإرادة الله ، فإنّما نعني الإرادة التكوينية لا الإرادة التشريعية.
من مجموع الآيات التي وردت في هذا المجال ، فنلاحظ أنّها عرضت المصائب على نوعين :
الأوّل : ما يكون جزءاً من طبيعة تكوين الإنسان كالموت والحوادث الطبيعية الاخرى ، وهذه لا يستطيع الإنسان أن يدفعها عنه ، فيقرّر القرآن الكريم بأنّ ذلك يقع بإذن الله.
الثاني : هو تلك المصائب التي تأتي من تقصير الإنسان ومن عمل يده ، وله الدور الأساسي في تحققها ، وهذه يقول القرآن : إنّها تصيبكم بسبب أعمالكم.
ويبشّر القرآن المؤمنين بقوله : (وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ).
فالمؤمن لا تهزمه المصائب ولا ييأس ولا يجزع ، والله يهدي الإنسان حينما يكون شكوراً لنعمه ، صابراً على بلائه ، مستسلماً لقضائه.
وتقول الآية في نهاية المطاف : (وَاللهُ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمٌ).
وقد يراد من هذا التعبير الإشارة إلى الهدف من وراء هذه الامتحانات والاختبارات الصعبة ، وهو إيقاظ الناس وتربيتهم وإعدادهم لمجابهة الغرور والغفلة ، وسيؤثر ذلك حتماً ويدفع الإنسان إلى طاعة الله ورسوله ، و (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ).
لا يخفى أنّ إطاعة الرسول فرع عن إطاعة الله تعالى وطاعة الرسول تقع في طول طاعة