ومما يجدر ذكره أنّ عدم قبول الإعتذار ناتج عن كونه نوعاً من التوبة ، والتوبة لا تقبل في غير هذا العالم ، سواء كان قبل دخول النار أو بعد دخولها.
ويلقي القرآن الضوء في الآية اللاحقة على طريق النجاة من النار حيث يقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا).
«نصوح : من مادة نصح ، بمعنى طلب الخير بإخلاص ، ولذلك يقال للعسل الخالص بأنّه (ناصح) وبما أنّ من يريد الخير واقعاً يجب أن يكون عمله توأماً للإتقان جاءت كلمة نصح أحياناً بهذا المعنى ، ولذا يقال للبناء المتين بأنّه نصاح ـ على وزن كتاب ـ ويقال للخيّاط ناصح ، وكلا المعنيين ـ أي الخلوص والمتانة ـ يجب توفّرهما في التوبة النصوح.
في تفسير مجمع البيان عن ابن عباس قال : قال معاذ بن جبل : يا رسول الله! ما التوبة النصوح؟ قال : أن يتوب التائب ثم لا يرجع في ذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع.
وبهذا التعبير اللطيف يتّضح أنّ التوبة يجب أن تحدث إنقلاباً في داخل النفس الإنسانية ، وتسدّ عليها أي طريق للعودة إلى الذنب ، وتجعل من الرجوع أمراً مستحيلاً كما يستحيل إرجاع اللبن إلى الضرع والثدي.
ثم يشير القرآن الكريم إلى آثار التوبة الصادقة النصوح بقوله : (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيَاتِكُمْ).
وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ).
يَوْمَ لَايُخْزِى اللهُ النَّبِىَّ وَالَّذِينَءَامَنُوا مَعَهُ).
نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ). ويضيء لهم طريقهم في المحشر ويوصلهم إلى الجنة.
وهنا يتوجّهون إلى الله بطلب العفو : (يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٌ).
* * *