ملاحظة
المقام السامي للعقل : ليست هذه هي المرّة الاولى التي يشير فيها القرآن الكريم إلى مقام العقل السامي ، كما أنّها ليست المرّة الاولى التي يصرّح فيها بأنّ العامل الأساسي لتعاسة الإنسان ودخوله عوالم الخسران والضياع والعاقبة التعيسة ، وسقوطه وفي وحل الذنوب وجهنم ... هو عدم الاستفادة من هذه القوة الإلهية العظيمة ، وإغفال هذه القدرة الجبارة ، وعدم استثمار هذه الجوهرة والنعمة الربانية. فإنّ الإسلام قد وضع أساس معرفة الله تعالى وسلوك طريق السعادة والنجاة ، ضمن مسؤولية العقل.
لذا فإنّ القرآن الكريم يوجّه نداءاته بصورة مستمرّة وفي كل مكان إلى (اولوا الألباب) و (اولوا الأبصار) وأصحاب الفكر من العلماء والمتعمّقين في شؤون المعرفة.
في الكافي عن الإمام علي عليهالسلام قال : هبط جبرئيل على آدم عليهالسلام ، فقال : يا آدم! إنّي امرت أن اخيّرك واحدة من ثلاث فاخترها ودع إثنين ، فقال له آدم : يا جبرئيل وما الثلاث؟ فقال : العقل والحياء والدين. فقال آدم : إنّي قد اخترت العقل ، فقال جبرئيل للحياء والدين : إنصرفا ودعاه. فقالا : يا جبرئيل ، إنّا امرنا أن نكون مع العقل حيث كان ، قال : فشأنكما وعرج.
(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٤)
بعد ما بيّنا ـ في الأبحاث التي تناولتها الآيات السابقة ـ مصير الكفار يوم القيامة ، فإنّ القرآن الكريم يتناول في الآيات مورد البحث حالة المؤمنين وجزاءهم العظيم عند الله سبحانه .. يقول في البداية : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).
«الغيب هنا إشارة لمعرفة الله تعالى غير المرئية ، أو الإشارة إلى المعاد غير المشاهد ، أو يقصد به الأمران معاً.
كما يحتمل أن يكون إشارة إلى الخوف من الله تعالى بسبب ما عمل الإنسان من خطايا وذنوب في السرّ ، ذلك أنّ الإنسان إذا لم يقترف ذنوباً في السرّ ، فإنّه لن يجرأ عليها في العلانية.
ويحتمل أن يكون هذا التعبير إشارة إلى خلوص النيّة في الإبتعاد عن الذنوب والمعاصي ، والالتزام بالأوامر الإلهية ، إذ إنّ العمل السرّي يكون أبعد عن الرياء.
كما لا مانع من الجمع بين هذه الآراء.