إنّهم عندما يلقون فيها بمنتهى الذلّ والحقارة تقترن حالة إلقائهم بصدور صوت مرعب وشديد من جهنم ، حيث يسيطر الرعب والخوف على جميع وجودهم.
ثم يضيف تعالى مستعرضاً شدّة غضب (جهنم) وشدّة هيجانها وإنزعاجها بقوله تعالى : (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) (١).
إنّها حرارة هائلة جدّاً ونار حارقة مزمجرة كما لو وضعنا إناء كبير على نار محتدمة فإنّه لا يلبث أن يفور ويغلي بشكل يكاد فيه أن يتلاشى ويذوب.
ثم يستمرّ تعالى بقوله : (كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ).
فلماذا إذن أوقعتم أنفسكم في هذا المصير البائس ، وهذا البلاء العظيم والساعة الرهيبة ، إنّ الملائكة (خزنة جهنم) يستغربون ويكادون أن يصعقوا لما أصابكم وما أوقعتم به أنفسكم ، في مثل هذه الداهية مع الوعي الذي حباكم به الله سبحانه وما تفضّل به عليكم من نعمة الرسل الإلهيين والقادة من الأنبياء والمرسلين ... فكيف اخترتم لأنفسكم مقرّاً كهذا؟
(قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِن شَىْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِى ضَللٍ كَبِيرٍ).
وهكذا يأتي الإعتراف : نعم قد جاءنا الرسل إلّاأنّنا كذّبناهم ولم نسمع نداءهم المحيي للنفوس بل خالفناهم وعارضناهم واعتبرناهم ضالّين ، وأخرجناهم من بين صفوفنا ، وأبعدناهم عنّا ..
ثم يذكر القرآن الدليل الأصلي على شقائهم وتعاستهم ولكن على لسانهم فيقول : (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ). أجل هكذا يأتي إعترافهم بذنوبهم بعد فوات الأوان : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لّاَصْحَابِ السَّعِيرِ).
فمن جهة أعطاهم الله تعالى الاذن السامعة والعقل ، ومن جهة اخرى بعث إليهم الرسل والأنبياء بالدلائل الواضحة فلو اقترن هذان الأمران فالنتيجة هي ضمان سعادة الإنسان.
«سحق : على وزن (قفل) وهي في الأصل بمعنى طحن الشيء وجعله ناعماً كما تطلق على الملابس القديمة ، إلّاأنّها هنا بمعنى البعد عن رحمة الله. وبناءً على هذا فإنّ مفهوم قوله تعالى (فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ) هو : فبعداً لأصحاب النار عن رحمة الله ، ولأنّ لعنة وغضب الله تعالى يكون توأماً مع التجسيد الخارجي له ، فإنّ هذه الجملة بمثابة الدليل على أنّ هذه المجموعة بعيدة عن رحمة الله بشكل كلي.
__________________
(١) تميّز : بمعنى التلاشي والتشتّت وكانت في الأصل (تتميّز).