ثم يوجّه الباريء عزوجل الخطاب لنبيّه الكريم ويقول : (فَذَرْنِى وَمَن يُكَذّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ).
وهذه اللهجة تمثّل تهديداً شديداً من الواحد القهار لهؤلاء المكذبين المتمردين ، حيث يخاطب الرسول صلىاللهعليهوآله بقوله : لا تتدخّل ، واتركني مع هؤلاء ، لُاعاملهم بما يستحقّونه.
ثم يضيف سبحانه : (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَايَعْلَمُونَ * وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ).
في تفسير مجمع البيان عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : إذا أحدث العبد ذنباً ، جدّد له نعمة فيدع الاستغفار فهو الإستدراج.
إذا أذنب عبد فإنّه لا يخرج من واحدة من الحالات الثلاث التالية :
إمّا أن ينتبه ويرجع عن خطئه ويتوب إلى ربّه.
أو أن ينزل الله عليه العذاب ليعود إلى رشده.
أو أنّه غير أهل للتوبة ولا للعودة للرشد بعد التنبيه له ، فيعطيه الله نعمة بدل البلاء وهذا هو : (عذاب الإستدراج). لذا يجب على الإنسان المؤمن أن يكون يقظاً عند إقبال النعم الإلهية عليه ، وليحذر من أن يكون ما يمنحه الله من نعم ظاهرية يمثّل في حقيقته (عذاب الإستدراج). ولذلك فإنّ المسلمين الواعين يفكّرون في مثل هذه الامور ويحاسبون أنفسهم باستمرار ، ويعيدون تقييم أعمالهم دائماً ، كي يكونوا قريبين من طاعة الله ، ويؤدّون حق الألطاف والنعم التي وهبها الله لهم.
في الكافي عن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبدالله عليهالسلام : إنّي سألت الله عزوجل أن يرزقني مالاً فرزقني ، وإنّي سألت الله أن يرزقني ولداً فرزقني ، وسألته أن يرزقني داراً فرزقني ، وقد خفت أن يكون ذلك استدراجاً ، فقال : أما ـ والله ـ مع الحمد فلا.
(أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٥٠)
استمراراً للاستجواب الذي تمّ في الآيات السابقة للمشركين والمجرمين ، يضيف الباريء عزوجل سؤالين آخرين ، حيث يقول في البداية : (أَمْ تَسَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ). أي : إذا كانت حجّتهم أنّ الاستجابة لدعوتك تستوجب أجراً مادياً كبيراً ، وأنّهم غير