تبدأ هذه السورة بعنوان جديد ليوم القيامة. يقول تعالى : (الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَيكَ مَا الْحَاقَّةُ). والمراد من الحاقّة هو اليوم الذي سيتحقق حتماً.
ذهب أغلب المفسرين إلى أنّ (الحاقّة) اسم من أسماء يوم القيامة ، باعتباره قطعي الوقوع ، كما هو بالنسبة ل (الواقعة) في سورة (الواقعة).
«ما الحاقّة : تعبير لبيان عظمة ذلك اليوم ؛ والتعبير ب ما أدريك ما الحاقّة للتأكيد مرّة اخرى على عظمة الأحداث في ذلك اليوم العظيم حتى أنّ الباريء عزوجل يخاطب رسوله الكريم صلىاللهعليهوآله بأنّك لا تعلم ما هو ذلك اليوم.
ثم تستعرض الآيات الكريمة اللاحقة مصير الأقوام الذين أنكروا يوم القيامة ، وكذلك نزول العذاب الإلهي في الدنيا ، حيث يضيف تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ).
لقد كان (قوم ثمود) يسكنون في منطقة جبلية بين الحجاز والشام ، فبعث الله النبي صالح عليهالسلام إليهم ، ودعاهم إلى الإيمان بالله ... إلّاأنّهم لم يستجيبوا له ، بل حاربوه وتحدّوه في إنزال العذاب الذي أوعدهم به إن كان صادقاً ، وفي هذه الحالة من التمرد الذي هم عليه ، سلّط الله عليهم (صاعقة مدمّرة) أنهت كل وجودهم في لحظات ، فخربت بيوتهم وقصورهم المحكمة ، وتهاوت أجسادهم على الأرض.
ثم تتطرق الآية اللاحقة لتحدثنا عن مصير (قوم عاد) الذين كانوا يسكنون في أرض الأحقاف الواقعة (في شبه جزيرة العرب أو اليمن) وكانوا ذوي قامات طويلة ، وأجساد قوية ، ومدن عامرة ، وأراض خضراء خصبة ، وحدائق نضرة وكان نبيّهم (هود) عليهالسلام يدعوهم إلى الهدى والإيمان بالله ... إلّاأنّهم أصرّوا على كفرهم وتمادوا في طغيانهم وتمرّدوا على الحق ، فانتقم الله منهم شرّ إنتقام ، وأقبرهم تحت الأرض بعد أن سلّط عليهم عذاباً شديداً مؤلماً ، سنوضّح شرحه في الآيات التالية. يقول تعالى : (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ).
«صرصر : تقال للرياح الباردة ، أو المقترنة بصوت وضوضاء ، أو المسمومة ، وقد ذكر المفسرون هذه المعاني الثلاث في تفسيرها ، والجمع بين جميع هذه المعاني ممكن أيضاً.
«عاتية : من مادة عتو بمعنى التمرّد على القانون الطبيعي للرياح وليست على أمر الله.
ثم تبيّن الآية التالية وصفاً آخر لهذه الرياح المدمّرة ، حيث يقول تعالى : (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا).