والأصل أنّ معنى الرجز يطلق على الإضطراب والتزلزل ، وفي القرآن الكريم غالباً ما استعمل لفظ الرجز بمعنى العذاب.
فإنّ للآية مفهوماً جامعاً ، وهو الإنحراف والعمل السيء ، وتشمل الأعمال التي لا ترضي الله عزوجل ، والباعثة على سخط الله في الدنيا والآخرة ، ومن المؤكّد أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ، وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى الله ، وليكون للناس اسوة حسنة.
ويقول تعالى في الأمر الرابع : (وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ).
هنا المتعلق محذوف أيضاً ، ويدل على سعة المفهوم وكلّيته ، ويشمل المنّة على الله والخلائق ، أي فلا تمنن على الله بسعيك واجتهادك.
وبعبارة اخرى : لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ، ولا تستعظم كل ذلك ، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواءاً في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ، أو توقع عوض أكبر ممّا أعطيت ، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَاتُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنّ وَالْأَذَى) (١).
ويشير في الآية الاخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول : (وَلِرَبّكَ فَاصْبِرْ).
أي : اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء ، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.
والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية.
ثم إنّ الآيات الشريفة وفي تعقيب لأمر ورد في الآيات السابقة في إطار القيام وإنذار المشركين ، تؤكّد مرّة اخرى على الإنذار والتحذير ، فيقول تعالى : (فَإِذَا نُقِرَ فِى النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ).
(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) (١٧)
__________________
(١) سورة البقرة / ٢٦٤.