الكفار هم مكلّفون بفروع الدين ، كما هم مكلّفون بالاصول ، وكذلك تشير إلى أنّ الأركان الأربعة ، أي الصلاة والزكاة وترك مجالس أهل الباطل ، والإيمان بالقيامة لها الأثر البالغ في تربية وهداية الإنسان ، وبهذا لا يمكن أن يكون الجحيم مكاناً للمصلين الواقعيين ، والمؤتين الزكاة ، والتاركين الباطل والمؤمنين بالقيامة.
وفي الآية الأخيرة محل البحث إشارة إلى العاقبة السيئة لهذه الجماعة فيقول تعالى : (فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ). فلا تنفعهم شفاعة الأنبياء ورسل الله والائمة ، ولا الملائكة والصديقين والشهداء والصالحين ، ولأنّها تحتاج إلى عوامل مساعدة وهؤلاء أبادوا كل هذه العوامل ، فالشفاعة كالماء الزلال الذي تسقى به النبتة الفتية ، وبديهي إذا ماتت النبتة الفتية ، لا يمكن للماء الزلال أن يحييها.
وهذه الآية تؤكّد مرّةً اخرى مسألة الشفاعة وتنوع وتعدد الشفعاء عند الله ، وهي جواب قاطع لمن ينكر الشفاعة ، وكذلك تؤكّد على أنّ للشفاعة شروطاً وأنّها لا تعني اعطاء الضوء الأخضر لإرتكاب الذنوب ، بل هي عامل مساعد لتربية الإنسان وايصاله على الأقل إلى مرحلة تكون له القابلية على التشفع ، بحيث لا تنقطع وشائج العلاقة بينه وبين الله تعالى والأولياء.
(فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) (٥٦)
يفرّون من الحق كما تفرّ الحمر من الأسد : تتابع هذه الآيات ما ورد في الآيات السابقة من البحث حول مصير المجرمين وأهل النار ، وتعكس أوضح تصوير في خوف هذه الجماعة المعاندة ورعبها من سماع حديث الحق والحقيقة. فيقول الله تعالى أوّلاً : (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ). (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ).
«حمر : جمع (حمار) والمراد هنا الحمار الوحشي.
«قسورة : من مادة قسر أي القهر والغلبة ، وهي أحد أسماء الأسد.