أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا).
في تفسير القرطبي : قال أبو جعفر الباقر عليهالسلام : نحن وشيعتنا أصحاب اليمين ، وكل من أبغضنا أهل البيت فهم المرتهنون.
ثم يضيف مبيّناً جانباً من أصحاب اليمين والجماعة المقابلة لهم : (فِى جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ).
يستفاد من هذه الآيات أنّ الرابطة غير منقطعة بين أهل الجنان وأهل النار ، فيمكنهم مشاهدة أحوال أهل النار والتحدث معهم ، ولكن ماذا سيجيب المجرومون عن سؤال أصحاب اليمين؟ إنّهم يعترفون بأربع خطايا كبيرة كانوا قد ارتكبوها :
الاولى : (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلّينَ). لو كنّا مصلّين لذكّرتنا الصلاة بالله تعالى ، ونهتنا عن الفحشاء والمنكر ودعتنا إلى صراط الله المستقيم.
والثانية : (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ). وهذه الجملة وإن كانت تعطي معنى إطعام المحتاجين ، ولكن الظاهر أنّه يراد بها المساعدة والإعانة الضرورية للمحتاجين عموماً بما ترتفع بها حوائجهم كالمأكل والملبس والمسكن وغير ذلك.
وصرّح المفسرون أنّ المراد بها الزكاة المفروضة ، لأنّ ترك الإنفاق المستحب لا يكون سبباً في دخول النار.
والثالثة : (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ). نخوض : من مادة خوض على وزن (حوض) ، وتعني في الأصل الغور والحركة في الماء ، ويطلق على الدخول والتلوث بالامور ، والقرآن غالباً ما يستعمل هذه اللفظة في الإشتغال بالباطل والغور فيه.
(الخوض في الباطل) له معان واسعة فهو يشمل الدخول في المجالس التي تتعرض فيها آيات الله للإستهزاء أو ما تروج فيها البدع ، أو المزاح الوقح ، أو التحدث عن المحارم المرتكبة بعنوان الإفتخار والتلذذ بذكرها ، وكذلك المشاركة في مجالس الغيبة والإتهام واللهو واللعب وأمثال ذلك ، ولكن المعنى الذي انصرفت إليه الآية هو الخوض في مجالس الإستهزاء بالدين والمقدسات وتضعيفها وترويج الكفر والشرك.
وأخيراً يضيف : (وَكُنَّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ الدّينِ * حَتَّى أَتنَا الْيَقِينُ).
من الواضح أنّ إنكار المعاد ويوم الحساب والجزاء يزلزل جميع القيم الإلهية والأخلاقية ، ويشجع الإنسان على ارتكاب المحارم. على كل حال فإنّ ما يستفاد من هذه الآيات أنّ