ثم أولى لك فأولى. فقال أبو جهل : بأي شيء تهددني لا تستطيع أنت ولا ربّك أن تفعلا بي شيئاً ، وإنّي أعزّ أهل هذا الوادي ، فأنزل الله سبحانه كما قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ثم ينتهي القرآن في هذا البحث إلى استدلالين لطيفين حول المعاد وأحدهما عن طريق (الحكمة الإلهية وهدف الخلقة) ، والآخر عن طريق بيان قدرة الله في تحول وتكامل نطفة الإنسان في المراحل المختلفة لعالم الجنين ، فيقول تعالى عن المرحلة الاولى : (أَيَحْسَبُ الْإِنسنُ أَن يُتْرَكَ سُدًى). سدى : على وزن (هدى) وهو المهمل الذي لا هدف له.
والمراد من (الإنسان) في هذه الآية هو المنكر للمعاد والبعث ، فيكون معنى الآية : كيف يخلق الله هذا العالم العظيم للإنسان ولا يكون له هدف ما؟ كيف يمكن ذلك والحال أنّ كل عضو من أعضاء الإنسان خلق لهدف خاص. ولكن يحسب أن لا هدف في خلق كل ذلك.
ثم إنتهى إلى تبيان الدليل الثاني ، فيضيف تعالى : (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مَّنِىّ يُمْنَى). وبعد هذه المرحلة واستقرار المني في الرحم يتحول إلى قطعة متخثرة من الدم ، وهي العلقة ، ثم إنّ الله تعالى يخلقها بشكل جديد ومتناسب وموزون : (ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى).
ولم يتوقف على ذلك : (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى).
أليس من يخلق النطفة الصغيرة القذرة في ظلمة رحم الام ويجعله خلقاً جديداً كل يوم ، ويلبسه من الحياة لباساً جديداً ويهبه شكلاً مستحدثاً ليكون بعد ذلك إنساناً كاملاً ذكراً أو انثى ثم يولد من امّه ، بقادر على إعادته : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِىَ الْمَوْتَى).
وهذا البيان في الواقع هو لمن ينكر المعاد الجسماني ويعده محالاً ، وينفي العودة إلى الحياة بعد الموت والدفن ، ولإثبات ذلك أخذ القرآن بيد الإنسان ليرجعه إلى التفكر ببداية خلقه ، والمراحل العجيبة للجنين ليريه تطورات هذه المراحل ، وليعلم أنّ الله قادر على كل شيء.
|
نهاية تفسير سورة القيامة |
* * *