وبعد ذكر كل تلك العلائم لما قبل البعث ولما بعده ، تأتي النتيجة القاطعة : (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ).
نعم ، فستتجلى حقائق الوجود ، وسيصير كل شيء بارز إنّه يوم البروز وسيرى الإنسان كل أعماله محضرة بخيرها وشرّها ، لأنّه يوم إزالة الحجب ، ورفع مبررات الغرور والغفلة ، وعندها ... سيعلم الإنسان ما قدّم لآخرته ، وما ترك بعده من آثار حسنها وسيئها ، مثل : الصدقة الجارية ، فعل الخير ، عمارة الأبنية ، الكتب التي ألفها ، ما سنّ من السنن ... فإن كان ما خلّفه خالصاً لله فسينال حسناته ، وإن كانت نيّتة في أفعاله غير خالصة لله ، فسيلاقي لتبعات أعماله.
وهذه نماذج من الأعمال التي ستصل نتائجها إلى الإنسان بعد الموت ، وهو : المراد من وأخّرت.
في الكافي عن هشام بن سالم عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّاثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته ، فهي تجري بعد موته ، وسنّة هدى سنّها ، فهي يعمل بها بعد موته ، أوولد صالح يدعو له.
وفي أمالي الصدوق عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : ستّ خصال ينتفع بها المؤمن بعد موته : ولد صالح يستغفر له ، ومصحف يقرأ منه ، وقليب [بئر] يحفره ، وغرس يغرسه ، وصدقة ماء يجريه ، وسنّة حسنة يؤخذ بها بعده.
فتعكس هذه الآيات والروايات أبعاد مسؤولية الإنسان أمام أعماله ، وتبيّن عظم المسؤولية ، فآثار فعل الخيرات أو المنكرات يصل إليه وإن امتدت آلاف السنين بعد موته.
(يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَاماً كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (١٢)
لا داعي للغرور : تنتقل الآيات أعلاه من المعاد إلى الإنسان ، ببيان إيقاظي عسى أن ينتبه الإنسان من غفلة ما في عنقه من حق وما على عاتقه من مسؤوليات جسام أمام خالقه سبحانه وتعالى ، فتخاطب الآية الاولى الإنسان باستفهام توبيخي محاط بالحنان والرأفة الربانية : (يَا أَيُّهَا الْإِنسنُ مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الْكَرِيمِ).