فبمقتضى ربوبيته هو الحامي والمدبّر لأمر تربية وتكامل الإنسان ، وبمقتضى كرمه أجلس الإنسان على مائدة رحمته ، ورعاه بما أنعم عليه مادياً ومعنوياً ودون أن يطلب منه أيّ مقابل ، بل ويعفو عن كثير من ذنوب الإنسان بفضل كرمه ...
وفي المجمع : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لما تلا هذه الآية قال : غرّه جهله.
ومن هنا يتقرّب لنا هدف الآية ، فهي تدعو الإنسان لكسر حاجز غروره وتجاوز حالة الغفلة ، وذلك بالاستناد على مسألة الربوبية والكرم الإلهي.
وتعرض لنا الآية التالية جانباً من كرم الله ولطفه على الإنسان : (الَّذِى خَلَقَكَ فَسَّوَيكَ فَعَدَلَكَ * فِى أَىّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ).
فالآيات المبحوثة ، إضافة لآيات اخر كثيرة تهدف وبشكلّ دقيق إلى تعريف الإنسان المغرور بحقيقته ، منذ كان نطفة قذرة ، مروراً بتصويره وتكامله في رحم امّه ، حتى فى أتمّ حالات نموه وتكامله ، وتؤكّد على أنّ حياة الإنسان في حقيقتها مرهونة بنعم الله ، وكل حيّ يفعم برحمة الله في كل لحظات حياته ، ولابدّ لكل حي ذي لبّ وبصيرة من أن يترجل من مطية غروره وغفلته ، ويضع طوق عبودية المعبود الأحد في رقبته ، وإلّا فالهلاك الحتمي.
وتتناول الآية التالية منشأ الغرور والغفلة : (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدّينِ).
فالكرم الإلهي ، ولطف الباري ونعمه ليست بمحفز لغروركم ، ولكنّكم آليتم على عدم إيمانكم بالقيامة ، فوقعتم بتلك الهاوية المظلمة.
وتأتي الآيات التالية لتوضح أنّ حركات وسكنات الإنسان كلّها مراقبة ومحسوبة ولابدّ من الإيمان بالمعاد وإزالة عوامل الغفلة والغرور ، فتقول : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ).
وهؤلاء الحفظة لهم مقام كريم عند الله تعالى ودائبين على كتابة أعمالكم : (كِرَامًا كَاتِبِينَ).
(يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ).
والحافظين : هم الملائكة المكلفون بحفظ وتسجيل أعمال الإنسان من خير أو شرّ ، كما سمّتهم الآية (١٨) من سورة (ق) بالرقيب العتيد : (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
كما وذكرتهم الآية (١٧) من نفس السورة : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ قَعِيدٌ).
وفي الإحتجاج للشيخ الطبرسي عن الصادق عليهالسلام حديث طويل وفيه يقول السائل : فما