والمقصود هم الظالمين لا من القي في النار ، فالجملة إنشائية والمراد هو اللعن والدعاء عليهم.
والاخدود مليء بالنار الملتهبة : (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ).
وكان الظالمون جالسون على حافة الاخدود يشاهدون المعذبين فيها : (إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ).
(وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ).
«الاخدود : شقّ في الأرض مستطيل غائص ، والجمع أخاديد ، وأصل ذلك من خدّ الإنسان ، وهو تقعر بسيط يكتنف الأنف من اليمين والشمال (وعند البكاء تسيل الدموع من خلاله) ثم اطلق مجازاً على الخنادق والحفر في الأرض ، ثم صار معنى حقيقياً لها.
أمّا من هم الذين عذّبوا المؤمنين؟ ومتى؟ إنّهم حفروا خندقاً عظيماً ووجّروه بالنيران ، وأوقفوا المؤمنين على حافة الخندق وطلبوا منهم واحداً واحداً بترك إيمانهم والرجوع إلى الكفر ، ومن رفض القي بين ألسنة النيران حياً ليذهب إلى ربّه صابراً محتسباً!
«الوقود : ما يجعل للإشتعال ، وذات الوقود : إشارة إلى كثرة ما فيها من الوقود ، وشدّة اشتعالها ، فالنار لا تخلو من وقود ، ولعل ما قيل من أنّ ذات الوقود بمعنى ذات اللهب الشديد ، يعود للسبب المذكور.
والآيتان : (إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) ، تشيران إلى ذلك الجمع من الناس الذين حضروا الواقعة ، وهم ينظرون إلى ما يحدث بكل تلذذ وبرود وفي منتهى قساوة القلب (ساديّة).
وتقول الآية التالية : (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).
وذكر العزيز الحميد جواب لما اقترفوا من جريمة بشعة ، واحتجاج على اولئك الكفرة ، إذ كيف يكون الإيمان بالله جرم وذنب؟! وهو أيضاً تهديد لهم بأن يأخذهم الله العزيز الحميد جزاء ما فعلوا ، أخذ عزيز مقتدر.
وتأتي الآية الاخرى لتبيّن صفتين اخرتين للعزيز الحميد : (الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلّ شَىْءٍ شَهِيدٌ).
فالصفات الأربعة المذكورة ، تمثل رمز معبوديته جلّ وعلا ، فالعزيز والحميد .. ذو الكمال المطلق ، ومالك السماوات والأرض والشهيد على كل شيء .. أحقّ أن يُعبد وحده دون غيره ، لا شريك له.