إضافة إلى كونها بشارة للمؤمنين ، بحضور الله سبحانه وتعالى ورؤيته لصبرهم وثباتهم على الإيمان ، فيدفع فيهم الحيوية والنشاط والقوة.
ومن جهة اخرى تهديد للكفار ، وإفهامهم بأنّ عدم منع إرتكاب مثل هذه الجرائم الخبيثة ، ليس لعجز أو ضعف منه جلّ شأنه ، وإنّما ترك العباد يفعلون ما يرونه هم ، امتحاناً لهم ، وسيريهم في عاقبة أمرهم جزاء ما فعلوا ، وما للظالمين إلّاالعذاب المهين.
بحث
من هم أصحاب الاخدود؟ إنّ الاخدود هو الشق العظيم في الأرض ، أو الخندق .. وهو في الآية إشارة إلى تلك الخنادق التي ملأها الكفار ناراً ليردعوا فيها المؤمنين بالتنازل عن إيمانهم والرجوع إلى ما كانوا عليه من كفر وضلال.
وكان سببهم أنّ الّذي هيج الحبشة على غزوة اليمن ذونواس وهو آخر من ملك من حِمير (١) تهوّد ، واجتمعت معه حمير على اليهودية ، وسمّى نفسه يوسف ، وأقام على ذلك حيناً من الدهر ، ثم اخبر أنّ بنجران [شمال اليمن] بقايا قوم على دين النصرانية ، وكانوا على دين عيسى عليهالسلام وعلى حكم الإنجيل ، ورأس ذلك الدين عبدالله بن بريا فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم ويحملهم على اليهودية ، ويدخلهم فيها ، فسار حتى قدم نجران ، فجمع من كان بها على دين النصرانية ، ثم عرض عليهم دين اليهودية والدخول فيها ، فأبوا عليه ، فجادلهم وعرض عليهم وحرص الحرص كله ، فأبوا عليه وامتنعوا من اليهودية والدخول فيها ، واختاروا القتل ، فخد لهم اخدوداً جمع فيه الحطب ، وأشعل فيه النار ، فمنهم من احرق بالنار ، ومنهم من قُتل بالسيف ، ومُثّل بهم كل مثلة. فبلغ عدد من قُتل واحرق بالنار عشرين ألفاً (٢).
وأضاف بعض آخر : إنّ رجلاً من نصارى نجران تمكّن من الهرب ، فالتحق بالروم وشكا ما فعل (ذو نواس) إلى قيصر.
فقال قيصر : إنّ أرضكم بعيدة ، ولكنّي سأكتب كتاباً إلى ملك الحبشة النصراني وأطلب منه مساعدتكم.
ثم كتب رسالته إلى ملك الحبشة ، وطلب منه الإنتقام لدماء المسيحيين التي اريقت في
__________________
(١) حمير : إحدى قبائل اليمن المعروفة.
(٢) تفسير علي بن ابراهيم القمي ٢ / ٤١٣.