نجران ، فلما قرأ الرسالة تأثّر جدّاً ، وعقد العزم على الإنتقام لدماء شهداء نجران.
فأرسل كتائبه إلى اليمن والتقت بجيش (ذو نواس) ، فهزمته بعد معركة طاحنة ، وأصبحت اليمن ولاية من ولايات الحبشة (١).
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (١٦)
العذاب الإلهي للمجرمين : بعد ذكر عظم جريمة أصحاب الاخدود التي ارتكبت ضد المؤمنين بحرقهم وهم أحياء ، يشير القرآن الكريم في هذه الآيات إلى ما ينتظر اولئك الجناة من عذاب إلهي شديد ، ويشير أيضاً إلى ما اعدّ للمؤمنين من ثواب ونعيم جراء صبرهم وثباتهم على إيمانهم بالله. فتقول الآية الاولى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ).
«فتنوا : من مادة فتن وهو إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته ، وقد استعملت الفتنة بمعنى (الإختبار) ، وبمعنى (العذاب والبلاء) ، وبمعنى (الضلال والشرك) أيضاً ؛ وهي في الآية بمعنى (العذاب).
(ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) : تدلّ على أنّ باب التوبة مفتوح حتى لُاولئك الجناة المجرمين ، وتدلّ أيضاً على مدى لطف الباري جلّ وعلا على الإنسان حتى وإن كان مذنباً ، وفي الجملة تنبيه لأهل مكة ليسارعوا في ترك تعذيب المؤمنين ويتوبوا إلى الله توبة نصوح.
وقد ورد في الآية لونين من العذاب الإلهي : (عَذَابُ جَهَنَّمَ) و (عَذَابُ الْحَرِيقِ) ، للإشارة إلى أنّ لعذاب جهنم ألوان عديدة ، منها (عذاب النار) ، وتعيين عذاب الحريق ، للإشارة أيضاً إلى أنّ الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات وأحرقوهم بالنار ، سوف يجازون بذات أساليبهم ، ولكن أين هذه النار من تلك؟!
__________________
(١) قصص القرآن ، للبلاغي / ٢٨٨.