وفي المكارم الأخلاق للطبرسي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام قال : نعم الطعام الزيت ، يطيب النكهة ، ويذهب بالبلغم ، ويصفي اللون ، ويشدّ العصب ، ويذهب بالوصب [المرض والألم والضعف] ويطفيء الغضب.
ثم يأتي جواب القسم : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسنَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).
«تقويم : يعني تسوية الشيء بصورة مناسبة ، ونظام معتدل وكيفية لائقة ، وسعة مفهوم الآية يشير إلى أنّ الله سبحانه خلق الإنسان بشكل متوازن لائق من كل الجهات ، الجسمية والروحية والعقلية ، إذ جعل فيه ألوان الكفاءات ، وأعدّه لتسلق سلّم السموّ ، وهو ـ وإن كان جرماً صغيراً ـ وضع فيه العالم الأكبر ، ومنحه من الكفاءات والطاقات ما جعله لائقاً لوسام : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىءَادَمَ) (١).
وهذا الإنسان بكل ما فيه من امتيازات ، يهبط حين ينحرف عن مسيرة الله إلى أسفل سافلين.
لذلك تقول الآية التالية : (ثُمَّ رَدَدْنهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ).
ولِم لا يكون كذلك وهو الموجود المليء بالكفاءات الثرّة التي إن سخرها على طريق الصلاح يبلغ أسمى قمم الفخر وإن استعملها على طريق الفساد يخلق أكبر مفسدة ، وينزلق طبعاً إلى أسفل سافلين.
ولكن الآية التالية تقول : (إِلَّا الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ).
«ممنون : من المن وتعني هنا القطع أو النقص ، من هنا فالأجر غير مقطوع ولا منقوص ، وقيل : إنّه خال من المنّة ، لكن المعنى الأوّل أنسب.
الآية التالية تخاطب هذا الإنسان الكافر بأنعم ربّه والمعرض عن دلائل المعاد وتقول له : (فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بِالدّينِ).
تركيب وجودك من جهة ، وبنيان هذا العالم الواسع من جهة اخرى يؤكّدان أنّ هذه الحياة الخاطفة لا يمكن أن تكون الهدف النهائي من خلقتك وخلقة هذا العالم الكبير.
هذه كلّها مقدمات لعالم أوسع وأكمل ، وبالتعبير القرآني ، هذه النشأة الاولى تنبيء عن النشأة الاخرى فلِم لا يتذكر الإنسان! (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ) (٢).
__________________
(١) سورة الإسراء / ٧٠.
(٢) راجع أدلة المعاد في تفسير سورة الواقعة.