في هذا الشهر.
والآية الاولى من سورة القدر تقول : (إِنَّا أَنزَلْنهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ).
عبارة (إِنَّا أَنزَلْنهُ) فيها إشارة اخرى إلى عظمة هذا الكتاب السماوي ، فقد نسب الله نزوله إليه ، وبصيغة المتكلم مع الغير أيضاً ، وهي صيغة لها مفهوم جمعي وتدل على العظمة.
نزول القرآن في ليلة القدر وهي الليلة التي يقدر فيها مصير البشر وتعين بها مقدراتهم ، دليل آخر على الأهمّية المصيرية لهذا الكتاب السماوي (١).
لو جمعنا بين هذه الآية وآية سورة البقرة لاستنتجنا أنّ ليلة القدر هي إحدى ليالي شهر رمضان ، ولكنّها أيّة ليلة؟ القرآن لا يبيّن لنا ذلك ، ولكن المشهور في الروايات أنّها في العشر الأخيرة من شهر رمضان ، وفي الليلتين الحادية والعشرين أو الثالثة والعشرين.
وثمّة روايات متعددة عن أهل البيت عليهمالسلام تركز على الليلة الثالثة والعشرين.
في الكافي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام قال : التقدير في ليلة تسع عشرة ، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين ، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين.
في الآيتين التاليتين يبيّن الله تعالى عظمة ليلة القدر ويقول سبحانه :
(وَمَا أَدْرَيكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ).
لَيْلَةُ الَقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).
والتعبير هذا يوضح أنّ عظمة ليلة القدر كبيرة إلى درجة خفيت على رسول الله صلىاللهعليهوآله أيضاً قبل نزول هذه الآيات ، مع ما له من علم واسع.
وفي الدر المنثور عن مجاهد أنّ النبي صلىاللهعليهوآله ذكر رجلاً من بني اسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر ، فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله : (إِنَّا أَنزَلْنهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَيكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الَقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) التي لبس فيها ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر.
لماذا كانت خيراً من ألف شهر؟ ... الظاهر لأهمّية العبادة والإحياء فيها. وما جاء من روايات بشأن فضيلة ليلة القدر وفضيلة العبادة فيها في كتب الشيعة وأهل السنّة كثير ،
__________________
(١) هذه المسألة طبعاً لا تتنافي مع حرية إرادة الإنسان ومسألة الإختيار ، لأنّ التقدير الإلهي عن طريق الملائكة إنّما يتمّ حسب لياقة الأفراد وميزان إيمانهم وتقواهم وطهر نيّتهم وأعمالهم. أي يقدر كل فرد ما يليق له. وبعبارة اخرى : أرضية التقدير يوفرها الإنسان نفسه ، وهذا لا يتنافي مع الإختيار بل يؤكّده.