(بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا).
فما فعلته الأرض إنّما كان بوحي ربّها ، وهي لا تتوانى في تنفيذ أمر الرب.
وعبارة أوحى إنّما هي لبيان أنّ حديث الأرض خلاف طبيعتها ، ولا يتيسر ذلك سوى عن طريق الوحي الإلهي.
(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ).
«أشتات : جمع شتّ وهو المتفرق والمبعثر ، أي أنّ الناس يردون ساحة المحشر متفرقين مبعثرين ، وقد يكون التفرق والتبعثر لورود أهل كل دين منفصلين عن الآخرين.
أو قد يكون لورود أهل كل نقطة من نقاط الأرض بشكل منفصل.
أو قد يكون لورود جماعة بأشكال جميلة مستبشرة ، وجماعة بوجوه عبوسة مكفهرة إلى المحشر.
أو أنّ كل امّة ترد مع إمامها وقائدها ؛ كما في الآية (٧١) من سورة الإسراء : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ).
أو أن يحشر المؤمنون مع المؤمنين والكافرون مع الكافرين.
الجمع بين هذه التفاسير ممكن تماماً لأنّ مفهوم الآية واسع.
«يصدر : من الصدور ، وهو خروج الإبل من بركة الماء مجتمعة هائجة ، وعكسه الورود.
وهي هنا كناية عن خروج الأقوام من القبور وورودهم على المحشر للحساب.
المقصود من عبارة (لّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) هو : تجسم الأعمال ورؤية الأعمال نفسها.
وهذه الآية أوضح الآيات الدالة على تجسم الأعمال ، حيث تتخذ الأعمال في ذلك اليوم أشكالاً تتناسب مع طبيعتها وتنتصب أمام صاحبها ، وتكون رفقتها سروراً وانشراحاً أو عذاباً وبلاءً.
ثم ينتقل الحديث إلى جزاء أعمال المجموعتين المؤمنة والكافرة ، الصالحة والطالحة.
(فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ).
وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
ظاهر الآية يدل أيضاً على مسألة تجسم الأعمال ومشاهدة العمل نفسه ، صالحاً أم طالحاً ، يوم القيامة ، حتى إذا عمل ما وزنه ذرّة من الذرّات يره مجسماً يوم القيامة.