«القدح : ضرب الحجارة أو الخشب أو الحديد بما يشبهه لتوليد النار.
والقسم الثالث بالتي تغير صباحاً على الأعداء : (فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا).
«المغيرات : جمع مغيرة والإغارة : الهجوم على العدو ، وقيل إنّ الكلمة تتضمّن معنى الهجوم بالخيل.
ثم تشير الآية التالية إلى سرعة هذه العاديات في هجومها ، وذلك بإثارتها الغبار في كل جانب : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا).
أو أنّ الغبار يثور من كل صوب نتيجة هجوم إبل الحجاج من المشعر الحرام على منى.
«أثرن : من الإثارة ، وهي نشر الغبار والدخان في الجو.
وفي آخر خصائص هذه المغيرات تذكر الآية أنّها ظهرت بين الإعداء في الفجر :
(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا).
هجومها كان مباغتاً خاطفاً بحيث استطاعت خلال لحظات أن تشق صفوف العدّو وتشن حملتها في قلبه ، وتُشتت جمعه. وهذا نتيجة ما تتحلّى به من سرعة ويقظة وإستعداد وشهامة وشجاعة.
أو إنّها إشارة إلى ورود الحجاج من المشعر إلى قلب منى.
من هنا يتّضح أنّ الجهاد له منزلة عظيمة حتى أنّ أنفاس خيل المجاهدين استحقت أن يقسم بها ... وهكذا الشرر
المتطاير من حوافر هذه الخيول ... والغبار الذي تثيره في الجو ... نعم حتى غبار ساحة الجهاد له قيمة وعظمة.
ثم يأتي جواب القسم ، ويقول سبحانه : (إِنَّ الْإِنسنَ لِرَّبِهِ لَكَنُودٌ).
نعم ، الإنسان البعيد عن التربية الصحيحة ... والذي لم تشرق في قلبه أنوار المعارف الإلهية وتعاليم الأنبياء ... الإنسان الخاضع لأهوائه وشهواته الجامحة هو حتماً كفور بالنعمة وبخيل ... إنّه لكنود.
وكنود : اسم للأرض التي لا تنبت ، وتطلق على الإنسان الكفور والبخيل أيضاً.
كلمة (الإنسان) في مثل هذه الاستعمالات القرآنية تعني الأفراد المتطبعين على الشر والشهوات الجامحة والطغيان.
(وَإِنَّهُ عَلَى ذلِكَ لَشَهِيدٌ). فهو بصير بنفسه ، وإن استطاع أن يخفي سريرته فلا يستطيع أن يخفيها عن الله وعن ضميره ، اعترف بهذه الحقيقة أم لم يعترف.