من حيث جئت ، فإنّك في بلد الله الحرام ، ثم أرسل اذنه ، فبرك الفيل ، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل ، وضربوا الفيل ليقوم ، فأبى ، فضربوا رأسه بالطبرزين [ليقوم] فأبى ، فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم فأبى ، فوجّهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول ووجّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجّهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، ووجّهوه إلى مكة فبرك ، فأرسل الله عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان ، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها : حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ، لا تصيب منهم أحداً إلّاهلك.
وقيل : إنّ الحجر كان يسقط على الرجل منهم فيخترقه ويخرج من الجانب الآخر.
(أبرهة) اصيب بحجر ، وجُرح ، فاعيد إلى صنعاء عاصمة ملكه ، وهناك فارق الحياة.
وقيل : إنّ مرض الحصبة والجدري شوهد لأوّل مرّة في أرض العرب في تلك السنة.
وفي هذا العام ولد رسول الله صلىاللهعليهوآله حسب الرواية المشهورة ، وقيل إنّ بين الحادثتين إرتباطاً.
إنّ أهمية هذه الحادثة الكبرى بلغت درجة تسمية ذلك العام بعام الفيل ، وأصبح مبدأ تاريخ العرب (١).
التّفسير
كيد أبرهة : يخاطب الله رسوله صلىاللهعليهوآله في الآية الاولى من السورة ويقول له : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ).
(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ). لقد استهدفوا الكعبة ليهدموها وليقيموا بدلها كعبة اليمن ، وليدعوا قبائل العرب إلى حج هذا المعبد الجديد ، لكنّه سبحانه حال دون تحقق هدفهم ، بل زاد الكعبة شهرة وعظمة بعد أن ذاع نبأ أصحاب الفيل في جزيرة العرب ، وأصبحت قلوب المشتاقين تهوى إليها أكثر من ذي قبل ، وأسبَغَ على هذه الديار مزيداً من الأمن.
كيدهم إذن صار في تضليل ، أي في ضلال حيث لم يصلوا إلى هدفهم.
ثم تشرح الآيات التالية بعض جوانب الواقعة : (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ).
__________________
(١) سيرة النبي صلىاللهعليهوآله لابن هشام الحميري ١ / ٢٨ ؛ وبحار الأنوار ١٥ / ٧٠ و ١٣٠ ؛ ومجمع البيان ١٠ / ٤٤٢.