كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (١).
ومشركو العرب كانوا يعتقدون أنّ الملائكة بنات الله : (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٢).
ثم تبلغ الآية الأخيرة غاية الكمال في أوصاف الله تعالى : (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ). أي ليس له شبيه ومثل اطلاقاً.
«الكفو : هوالكفء في المقام والمنزلة والقدر ، ثم اطلقت الكلمة على كل شبيه ومثيل.
استناداً إلى هذه الآية ، الله سبحانه منزّه عن عوارض المخلوقين وصفات الموجودات وكل نقص ومحدودية ، وهذا هو التوحيد الذاتي والصفاتي ، مقابل التوحيد العددي.
من هنا فهو تبارك وتعالى لا شبيه له في ذاته ، ولا نظير له في صفاته ، ولا مثيل له في أفعاله ، وهو متفرد لا نظير له من كل الجهات.
أمير المؤمنين علي عليهالسلام يقول في الخطبة (١٨٦) نهج البلاغة : لم يلد فيكون مولوداً ، ولم يولد فيصير محدوداً ... ولا كفء له فيكافئه ، ولا نظير له فيساويه.
هذا التفسير الرائع يكشف عن أسمى معاني التوحيد وأدقّها.
بحوث
الأوّل : التوحيد : التوحيد يعني وحدانية ذات الله تعالى ونفي أي شبيه ومثيل له ، وإضافة إلى الدليل النقلي المتمثل في النصوص الدينية ثمّة دلائل عقلية كثيرة أيضاً تثبت ذلك نذكر قسماً منها باختصار :
١ ـ برهان صرف الوجود : وملخصه أنّ الله سبحانه وجود مطلق لا يحده قيد ولا شرط ، ومثل هذا الوجود سيكون غير محدود دون شك ، فلو كان محدوداً لمُني بالعدم ، والذات المقدسة التي ينطلق منها الوجود لا يمكن أن يعترضها العدم والفناء ، وليس في الخارج شيء يفرض عليه العدم ، ولذلك لا يحدّه حدّ.
من جهة اخرى لا يمكن تصوّر وجودين غير محدودين في العالم ، إذ لو كان ثمّة وجودان لكان كل واحد منهما فاقداً حتماً لكمالات الآخر ، أي لا يملك كمالاته ، ومن هنا فكلاهما
__________________
(١) سورة التوبة / ٣٠.
(٢) سورة الأنعام / ١٠٠.