قلت : ليس فى الآية الشريفة دلالة على اشتراك العبادات فى غرض وحدانى هى المعرفة ، اذ لم تجعل المعرفة غرضا باعثا للامر بالعبادات ، بل جعلت غرضا باعثا لخلق الانس والجن وهو امر آخر غير امرهم بالعبادات.
ولئن سلم انها غاية وغرض للاوامر العبادية ، لكن لا نسلم دلالة الآية الشريفة الا على ان المعرفة فى الجملة غرض باعث على التكليف بالعبادات ، وحينئذ فمن الجائز ان يكون كل مرتبة من المعرفة غرضا باعثا على كل واحد من تلك التكاليف فيكون الغرض من التكليف بالوضوء مثلا مرتبة من المعرفة غير المرتبة التى هى غرض من التكليف بالصلاة ، وحينئذ يكون للعبادات اغراض عديدة تشترك فى جامع المعرفة او تكميل النفس او غير ذلك ، فلو فرض ترك العبادات بأجمعها كانت هناك عقوبات متعددة بحسب تعدد ما ترك من العبادات.
والحاصل ان الوجدان شاهد صدق على دوران العقوبة وجودا وعدما مدار تحصيل الغرض وعدم تحصيله ، كما ان وحدتها وتعددها دائر ان مدار وحدة الغرض وتعدده ، فأنظر الى العبد اذا امر بإتيان الماء وكان يعلم بتضرر المولى لو شرب من ذلك الماء لكونه مسموما ، لم يجز له الاتيان بذلك الماء ولو جاء به استحق العقوبة بذلك ، وان كان مأمورا بسقى المولى من ذلك الماء من باب الخطاء والاشتباه بتخيل المولى ان ذلك الماء يرفع عطشه.
وكذا اذا اتفق غفلة المولى عن اضطرام النار وكان ولده فى معرض الاحتراق فيها ، فانه يجب على العبد حفظ ولد المولى عن الاحتراق وان لم يكن مأمورا ومخاطبا بحفظه عنها ، فان مثل هذا مما يدل على اناطة الثواب والعقاب بموافقة الغرض ومخالفته لا بموافقة الارادة وعدم موافقتها ، إلّا اذا كان تحقق الارادة من المولى ملازما