الصغر ، واطّلاعه على كتب التاريخ ، والتفسير ، والحديث ، والأصول ، والكلام ، والأدب ، واللغة ، والنحو ، والصرف ، والعروض ، وغيرها.
رحلاته وشيوخه :
مما لا شكّ فيه أن حاجة العلماء إلى الرحلة عظيمة جدّا ؛ سعيا في تحصيل العلم ، والسّماع من الأشياخ ؛ لأن في الرّحلة إليهم ، والالتقاء بهم تثقيفا للعقول ، وتنقيحا للعلوم ، وتمحيصا للمحفوظ. ولقد كانت الرّحلة سنّة العلماء من لدن سيدنا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى أن وقع النّاس فريسة للتخلّف والتكاسل ، فقعد بهم ذلك عن طلب العلم ، والسّعي في تحصيله.
ولقد كان بعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا تناءت به الدّار ، يركب إلى «المدينة» ، فيسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
واستمر ذلك السّعي والتّرحال بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوسلم. ولما اتسعت رقعة الدولة الإسلاميّة بعد الفتوحات العظيمة ، نجد أن الرّحلة شاعت ، وانتشر أمرها ، لتفرّق العلماء في شتّى بلدان الدولة الإسلامية.
ولقد ضحّى سلفنا الصّالح بكل غال ورخيص ، ودفعوا المال والجهد ، وتكبّدوا العناء والمشاقّ ، في سبيل طلب الحديث وجمعه ، والعناية بسنّة النبي صلىاللهعليهوسلم.
فهذا الصّحابي الجليل أبو أيوب الأنصاريّ يرحل من «المدينة» قاصدا عقبة بن عامر ب «مصر» ليسأله عن حديث سمعه من النبي صلىاللهعليهوسلم ، حتى إذا وصل إلى منزل عقبة بن عامر ، خرج إليه عقبة فعانقه ، وقال : ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال : حديث سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يبق أحد سمعه منه غيري وغيرك ، في ستر المؤمن. قال عقبة : نعم ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من ستر مؤمنا في الدّنيا على خزية ، ستره الله يوم القيامة».
فقال أبو أيوب : صدقت.
ثم انصرف أبو أيوب من توّه إلى راحلته ، راجعا إلى «المدينة» ، متحمّلا مشقّة السفر ، ووعثاء الطريق ، وأخطار المفاوز والقفار.
ويقول سعيد بن المسيّب : إني كنت لأسافر مسيرة الأيام والليالي في الحديث الواحد.
وذات مرّة قال عمرو بن أبي سلمة للأوزاعيّ : يا أبا عمرو أنا ألزمك منذ أربعة أيام ،