ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً* قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) [طه : ١٢٣ ـ ١٢٦].
وبه مخرج الأمّة من أزماتها ، ونجاتها من الفتن ؛ يقول علي ـ كرم الله وجهه ـ : قلت : يا رسول الله ، ستكون فتن ، فما المخرج منها؟.
قال صلىاللهعليهوسلم : «كتاب الله ؛ فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبّار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله ، هو حبل الله المتين ، والذّكر الحكيم ، والصّراط المستقيم ، هو الّذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق على كثرة الرّدّ ، ولا تنقضي عجائبه ، من قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن خاصم به أفلح ، ومن دعي إليه هدي إلى صراط مستقيم».
ـ ولكي يكون معجزا ويتأتّى تحدّيه للبشر.
ـ ولكي يتأتّى اتخاذه دستورا ومنهج حياة ..
ـ ولكي يتدبّر المؤمنون آياته ... (١).
ولكي يستطيع المسلمون العرب الانطلاق بالدعوة (٢) .. لكلّ هذا جاء القرآن عربيّا.
وكان القوم ـ «عند نزوله ـ سواء من هو حجّة له ؛ من المؤمنين الصادقين ، ومن هو حجّة عليه ؛ من الكافرين الجاحدين ـ يفهمونه ويحيطون بمعانيه إفرادا وتركيبا ؛ فيتلقّون دعوته ، ويدركون مواعظه ، ويعون تحدّيه بالإعجاز بين مذعنين ، يقولون : آمنّا به ، ومعاندين يلحدون في آياته ، ويمعنون في معارضته كيدا وليّا بألسنتهم وطعنا في الدين.
«فما كان منهم من تعذّر عليه فهمه ، ولا من خفيت عليه مقاصده ومعانيه ، بل كان وضوح معانيه ، ويسر فهمه ، هو الأصل فيما قام حوله من صراع بين مؤمن يجد فيه شفاء نفسه ، وانشراح صدره ، وكافر ينقبض لقوارع آياته ؛ فلا يزال يدفعها بالإعراض والمعارضة ، والدفاع والمقارعة ، وكان ذلك هو الأصل أيضا في تكوّن الأمّة المحمّدية ، وتولّد التاريخ الإسلاميّ» (٣).
__________________
(١) قال تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ...).
(٢) قال تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ ...).
(٣) «التفسير ورجاله» / محمد الفاضل بن عاشور ص ٧ ـ ٨.